وحاصل المعنى : إن نالوا منكم يوم احد ، فقد نلتم منهم قبله يوم بدر مثل ما نالوا ، ثمّ لم تضعف قلوبهم ، مع أنّكم أولى بأن لا تضعفوا ؛ لأنّكم ترجون من الله ما لا يرجون.
وقيل : إنّ المراد : إن نال المشركون في احد منكم آخر النّهار ، فقد نلتم منهم أوّل النّهار ، فقتل من المشركين في احد أوّلا نيف وعشرون رجلا ، وقتل صاحب لوائهم طلحة بن أبي طلحة ، وعقرت عامّة خيولهم بالنّبل ، وكانت الهزيمة عليهم أوّل النّهار.
﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ﴾ والوقائع الجارية في الامم الماضية والأقوام الآتية من الصّولة والجولة والقاهريّة والمقهوريّة امور ﴿نُداوِلُها﴾ ونصرّفها ﴿بَيْنَ النَّاسِ﴾ من الأوّلين والآخرين ، ونجعل الغلبة تارة لطائفة ، واخرى لأخرى.
فإنّه لو كانت المحنة والشدّة على الكفّار في جميع الأوقات ، والغلبة والفتح والسّلامة للمؤمنين في جميع الأوقات ، لحصل العلم الضّروري والاضطراري لجميع النّاس بأنّ الإيمان حقّ ، وما سواه باطل ، ولو كان كذلك لبطل التّكليف والثّواب والعقاب.
فلهذا يسلّط الله المحنة على أهل الإيمان تارة ، وعلى أهل الكفر اخرى ، لتكون الشّبهات باقية ، والمكلّف - بالنّظر في الدّلائل ، بالاجتهاد الصّائب - يدفعها حتّى يعظم ثوابه.
ثمّ بيّن سبحانه أنّ غلبة الكفّار على المؤمنين - لهذا الوجه ولغيره - من الحكم الخفيّة ، والمصالح المكنونة ﴿وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ واخلصوا إيمانهم ، وثبتوا عليه ، ويميّزهم بين النّاس من غيرهم ﴿وَ﴾ لأن ﴿يَتَّخِذَ﴾ الله ويختار طائفة ﴿مِنْكُمْ شُهَداءَ﴾ في سبيل الله ، مقتولين في ترويج دينه ، وإعلاء كلمته ، وهم الّذين أكرمهم الله في احد بالشّهادة ، ونالوا بهذه الكرامة درجة يغبطهم بها الأوّلون والآخرون غير البدريّين والطّفيّين.
ثم أنّه تعالى - لتقرير أنّ غلبة المشركين لم تكن من التّفضّل عليهم واللّطف بهم ، بل كانت لابتلاء المؤمنين عامّة ، ولتكريم طائفة منهم خاصّة - أعلن بالغضب على المشركين بقوله : ﴿وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ بل يبغضهم.
وإنّما عدل سبحانه عن التّعبير ب ( المشركين ) إلى التّعبير ب ( الظالمين ) ، للإشارة إلى علّة الغضب وهو الظّلم على أنفسهم ، وعلى النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ولأن يشمل العنوان جميع من عصى الله ، [ سواء ] كان العصيان بالشّرك ، أو الفرار من الزّحف.
﴿وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (١٤١)﴾