وتحصيل اليقين بفجائعهم ، ولو بسير الكتب.
﴿فَانْظُروا﴾ فيها حتّى تعلموا ﴿كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ﴾ أمر ﴿الْمُكَذِّبِينَ﴾ للرّسل ، المعارضين للحقّ وأوليائه. عن الصادق عليهالسلام : « انظروا في القرآن » (١) .
ولعلّه تعالى أشار إلى هذا المعنى بقوله : ﴿هذا﴾ القرآن ﴿بَيانٌ﴾ وإيضاح لسوء عاقبة الامم الماضية ، وحجّة قاطعة للعذر ﴿لِلنَّاسِ﴾ كافّة ﴿وَهُدىً﴾ ورشدا إلى الصّواب ، ودلالة إلى الحقّ ﴿وَمَوْعِظَةٌ﴾ زاجرة عن الضّلال ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ خاصّة ، حيث إنّهم المنتفعون به ، المستضيئون بنوره.
ثمّ إنّه قيل : إنّ الآيتين مقدّمة للرّجوع إلى قضية احد ، حيث إنّه تعالى بعد تمهيد مبادئ الرّشد والصّلاح ، وترتيب مقدّمات الفوز والفلاح ، ذكّر المؤمنين أحوال القرون الماضية ، ونبههم بأنّ أهل الباطل وإن كانت لهم الصّولة في اليد ، ولكن صار مآل أمرهم إلى الضّعف والخزي والهلاك ، وأهل الحقّ بعد الضّعف صارت دولتهم غالبة ، وكلمتهم عالية.
﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ
مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ
آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (١٣٩) و (١٤٠)﴾
ثمّ نهاهم عن الضّعف والجبن في قتال أهل الباطل بقوله : ﴿وَلا تَهِنُوا﴾ ولا تضعفوا في جهاد المشركين ، لما ترون من صولتهم ﴿وَلا تَحْزَنُوا﴾ لما أصابكم من القتل والجرح في قتالهم ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾ المستولون عليهم بالمآل ، وهم مقهورون لكم في العاقبة حسب ما شاهدتم في أحوال أسلافهم ، وهذه البشارة من الله كافية لقوّة قلوبكم ، وسرور خاطركم ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ بما يعدكم ويبشّركم من النّصر والغلبة عليهم ، حيث إنّ من لوازم الإيمان الثّقة بالله ، وتصديق وعده ، والتّوكّل عليه ، وعدم المبالاة بأعدائه.
ثمّ سلّى سبحانه قلوبهم بقوله : ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ﴾ ويصبكم منهم ﴿قَرْحٌ﴾ وجرح ﴿فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ﴾ المشركين وأصابهم منكم ﴿قَرْحٌ﴾ وجرح ﴿مِثْلُهُ﴾ ببدر ، ولم يضعف ذلك قلوبهم ، ولم يثبّطهم عن معاودتكم بالقتال ، بل زاد ذلك في جدّهم فيه.
قيل : قتل المسلمون من المشركين ببدر سبعين ، وأسروا سبعين ، وقتل المشركون من المسلمين باحد سبعين ، وأسروا سبعين (٢) .
__________________
(١) الكافي ٨ : ٢٤٩ / ٣٤٩ ، تفسير الصافي ١ : ٣٥٥.
(٢) تفسير روح البيان ٢ : ٩٩.