بالموضوع مطلقا ، وبالحكم إذا كان عن قصور - عذر ، ومرفوع في الشّريعة ، بخلاف ما إذا كان الجهل بالحكم عن التّقصير في التّعلّم ، فإنّ الجاهل المقصّر بمنزلة العامة إجماعا.
﴿أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ
فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (١٣٦)﴾
ثمّ أكّد سبحانه تخصيص الجنّة بالمتّقين الواجدين للصّفات الحميدة ، المستلزم لتخصيص المغفرة لهم ، بقوله : ﴿أُولئِكَ﴾ المتّقون المتّصفون بتلك الصّفات ﴿جَزاؤُهُمْ﴾ وثوابهم على التّقوى والاتّصاف بها ، أوّلا : ﴿مَغْفِرَةٌ﴾ كائنة ﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾ الرّؤوف بهم ، ﴿وَ﴾ ثانيا : ﴿جَنَّاتٌ﴾ عديدة كثيرة الأشجار ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾ حال كونهم ﴿خالِدِينَ﴾ مقيمين ﴿فِيها﴾ أبدا ، لا تنقضي ساعاتها ، ولا تمضي لذّاتها. وإنّما قدّم المغفرة ، لأنّها دفع الضّرر المقدّم على جلب النفع.
ثمّ مدح سبحانه ما أعدّ لهم من الجزاء لزيادة التّرغيب إليه ، بقوله : ﴿وَنِعْمَ﴾ الأجر ﴿أَجْرُ الْعامِلِينَ﴾ بمرضاة الله ، المبالغين في طاعته. وفي التّعبير عن تفضّله بالأجر ، دلالة على أنّه بالاستحقاق واللّياقة.
﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ
الْمُكَذِّبِينَ هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٧) و (١٣٨)﴾
ثمّ حثّ الله عباده على طاعته وطاعة رسوله ، ورغّبهم في تربية نفوسهم وجهاد أعدائهم ، بتذكيرهم أحوال العصاة من الامم الماضية بقوله : ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ ومضت في الامم الّذين كانوا ﴿مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ في القرون الخالية ﴿سُنَنٌ﴾ ومعاملات من الله ، ووقائع عظيمة ، من الخسف ، والغرق ، والإهلاك بالصّيحة ، والصّاعقة ، والرّجفة ، لمخالفتهم الأنبياء والرّسل حرصا على الدّنيا ، واتّباعا للهوى ، وطلبا للذّات ، وانغمارا في الشّهوات ، وحفظا للرئاسات.
وقيل : إنّ المراد من السّنن السيرة المستقيمة الجارية فيهم ، من إهلاك عصاتهم وطغاتهم بعذاب الاستئصال.
ثمّ لم يبق منهم أثر ، وبقي عليهم اللّعن والعذاب الدّائم المستقرّ ، فإن أردتم الاطّلاع على سوء حالهم ووخامة مآلهم ﴿فَسِيرُوا﴾ وسيحوا ﴿فِي﴾ وجه ﴿الْأَرْضِ﴾ لتعرفوا أحوالهم بمشاهدة آثارهم ، فإنّ أثر المشاهدة أقوى في القلب من أثر السّماع.
وقيل : إنّه ليس المراد المسافرة والمشي بالأقدام ، بل المراد تتبّع ما يوجب العلم بوقائعهم ،