ماذا يكون آخر أمري ، إلى الجنّة تزفّني ، أم إلى النّار تسوقني ، اللهمّ إنّ خطيئتي أعظم من السّماوات والأرض ، ومن كرسيّك الواسع ، وعرشك العظيم ، فليت شعري تغفر خطيئتي ، أم تفضحني بها يوم القيامة.
فلم يزل يقول نحو هذا [ وهو يبكي ] ويحثو التّراب على رأسه ، وقد أحاطت به السّباع ، وصفّت فوقه الطّير ، وهم يبكون لبكائه ، فدنا رسول الله صلىاللهعليهوآله فأطلق يديه من عنقه ، ونفض التّراب عن رأسه ، وقال : « يا بهلول ، أبشر فانك عتيق الله من النّار » . ثمّ قال لأصحابه : « هكذا تداركوا الذّنوب كما تداركها بهلول » ، ثمّ تلا عليه ما أنزل الله عزوجل فيه ، وبشّره بالجنّة (١) .
عن البرقي عن الصادق عليهالسلام قال : « لمّا نزلت هذه الآية صعد إبليس جبلا (٢) ، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته ، فاجتمعوا إليه فقالوا : يا سيّدنا لماذا دعوتنا ؟ قال : نزلت هذه الآية ، فمن لها ؟ فقام عفريت من الشّياطين فقال : أنا لها بكذا وكذا ، فقال : لست لها ، فقام آخر فقال مثل ذلك ، فقال : لست لها ، فقال الوسواس الخنّاس : أنا لها ، فقال : بماذا ؟ قال : أعدهم وأمنّيهم حتّى يواقعوا الخطيئة ، فإذا وقعوا في الخطيئة أنسيتهم الاستغفار ، فقال : أنت لها ، فوكّل بها إلى يوم القيامة » (٣) .
وعن ابن مسعود : قال المؤمنون للنبيّ صلىاللهعليهوآله : كانت بنو إسرائيل أكرم على الله منّا ، فكان أحدهم إذا أذنب ذنبا أصبحت كفّارة ذنبه مكتوبة على عتبة داره : اجدع أنفك ، افعل كذا ، فأنزل الله هذه الآية وبيّن أنّهم أكرم على الله منهم ؛ حيث جعل كفّارة ذنبهم الاستغفار (٤) .
ثمّ أكّد الله سرعة المؤمنين إلى الاستغفار ، وعزمهم على عدم العود في المعصية ، بقوله : ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا﴾ ولم يديموا ﴿عَلى ما فَعَلُوا﴾ من الذّنب غير مستغفرين.
عن ( الكافي ) : عن الباقر عليهالسلام قال : « الإصرار : أن يذنب الذّنب فلا يستغفر الله ، ولا يحدّث نفسه بتوبة ، فذلك الإصرار » (٥) .
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « ما أصرّ من استغفر ، وإن عاد في اليوم سبعين مرّة » (٦) .
وعن الصادق عليهالسلام قال : « والله ، ما خرج عبد من ذنب بإصرار ، وما خرج عبد من ذنب إلّا بإقرار » (٧) .
وعنه عليهالسلام : « لا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الاستغفار » (٨) .
ثمّ قيّد سبحانه قبح الإصرار بقوله : ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ موضوع المعصية وقبحه وحرمته ؛ لأنّ الجهل-
__________________
(١) أمالي الصدوق : ٩٧ / ٧٦ ، تفسير الصافي ١ : ٣٥٢. وراجع : اسد الغابة ١ : ٢١٠ ترجمة بهلول بن ذؤيب.
(٢) زاد في الأمالي : بمكّة يقال له ثور.
(٣) أمالي الصدوق : ٥٥١ / ٧٣٦ ، تفسير الصافي ١ : ٣٥٢.
(٤) تفسير الرازي ٩ : ٩.
(٥) الكافي ٢ : ٢١٩ / ١ ، تفسير الصافي ١ : ٣٥٢.
(٦) تفسير أبي السعود ٢ : ٨٧.
(٧) الكافي ٢ : ٣١٢ / ٤ ، تفسير الصافي ١ : ٣٥٢.
(٨) الكافي ٢ : ٢١٩ / ١ ، تفسير الصافي ١ : ٣٥٢.