لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣)﴾
ثمّ بعد أمره سبحانه بالاجتناب عن الرّبا والتّحرّز عن النّار ، أمر بالمسارعة إلى العبادات الموجبة للمغفرة والدّخول في الجنّة ، بقوله : ﴿وَسارِعُوا﴾ وبادروا ﴿إِلى﴾ تحصيل ﴿مَغْفِرَةٍ﴾ كائنة ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ اللّطيف بكم ، بالمبادرة إلى موجباتها من الإسلام والتّوبة والإخلاص ، وأداء الواجبات وترك المحرّمات. وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : « إلى أداء الفرائض » (١) .
﴿وَ﴾ إلى ﴿جَنَّةٍ﴾ وسيعة ﴿عَرْضُهَا﴾ ووسعتها ﴿السَّماواتُ﴾ السّبع ﴿وَالْأَرْضُ﴾ قيل : ذكر العرض للمبالغة في وصفها بالسّعة على طريق التّمثيل ، فإنّ العرض في العادة يكون أدنى وأقصر من الطّول (٢) .
أقول : هذا الوجه مبنيّ على إرادة العرض المقابل للطّول ، لا إرادة مطلق السّعة منه.
عن العيّاشي : عن الصادق عليهالسلام قال : « إذا وضعوهما (٣) » ، وبسط يديه إحداهما مع الأخرى(٤).
وعن ابن عبّاس : كسبع سماوات ، وسبع أرضين لو وصل بعضها ببعض (٥) .
روي أنّ رسول هرقل (٦) سأل النبيّ صلىاللهعليهوآله وقال : إنّك تدعو إلى جنّة عرضها السّماوات والأرض اعدت للمتّقين ، فأين النّار ؟ فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « سبحان الله ! فأين اللّيل إذا جاء النّهار ؟ » (٧) .
قال الفخر الرازي في تفسيره : والمعنى ، والله أعلم : أنّه إذا دار الفلك حصل النّهار في جانب [ من العالم ] ، واللّيل في ضد ذلك الجانب (٨) .
وقال الطبرسي رحمهالله : هذه معارضة فيها إسقاط المسألة ؛ لأنّ القادر على أن يذهب اللّيل حيث يشاء ، قادر على أن يخلق النّار حيث يشاء (٩) .
وقال الفيض رحمهالله : والسّرّ فيه أنّ إحدى الدّارين لكلّ إنسان ، إنّما تكون مكان الاخرى بدلا عنها ، كما في اللّيل والنّهار (١٠) .
ولعلّ المراد أنّه ليس بين العالمين في الآخرة تزاحم كتزاحم الأجسام الكثيفة ، فكلّ مشغول بعالمه ، ولا يكون له عالم آخر ، وفي الآية دلالة على وجود الجنّة فعلا.
ثمّ وصف سبحانه تلك الجنّة الوسيعة بأنّها ﴿أُعِدَّتْ﴾ وخلقت مهيّأة ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ للتّنبيه بأنّه لا حظّ للعصاة فيها ، فمن رجاها بغير التّقوى فهو مغرور.
__________________
(١) مجمع البيان ٢ : ٨٣٦ ، تفسير الصافي ١ : ٣٥١.
(٢) تفسير روح البيان ٢ : ٩٤.
(٣) في المصدر : وضعوها كذا.
(٤) تفسير العياشي ١ : ٣٣٩ / ٧٨١ ، تفسير الصافي ١ : ٣٥١.
(٥) تفسير أبي السعود ٢ : ٨٥.
(٦) اسم ملك الروم.
(٧ و٨) . تفسير الرازي ٩ : ٦.
(٩) مجمع البيان ٢ : ٨٣٧ ، تفسير الصافي ١ : ٣٥١.
(١٠) تفسير الصافي ١ : ٣٥١.