الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا﴾ ولا تأخذوا ﴿الرِّبَوا﴾ حال كونه ﴿أَضْعافاً مُضاعَفَةً﴾ ورباءات كثيرة متكرّرة.
قيل : كان الرّجل في الجاهليّة إذا كان له على إنسان مائة درهم إلى أجل ، ولم يكن المديون واجدا لذلك المال ، قال : زدني في المال حتّى أزيدك في الأجل ، فربّما جعله مائتين ، ثمّ إذا حلّ الأجل الثاني فعل مثل ذلك ، ثمّ إلى آجال كثيرة ، فيأخذ بسبب تلك المائة أضعافها (١) .
وتقييد الرّبا بهذه الحال ليست لتقييد النّهي بها ، حتّى تنتفي الحرمة بانتفائها ، بل لمراعاة ما كانوا عليه من العادة ، مع زيادة التّشنيع.
﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ في جميع ما نهيتم عنه ، ومنه الرّبا ﴿لَعَلَّكُمْ﴾ بالتّقوى ، وترك أكل الرّبا ﴿تُفْلِحُونَ﴾ وتفوزون بأهمّ المقاصد وتنالون خير الدّارين ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ﴾ وهيّئت في الآخرة ﴿لِلْكافِرِينَ﴾ ولا تشاركوهم بأكل الرّبا في التّعذيب بنارهم.
ثمّ أكّد الأمر بالتّقوى بالأمر بالطّاعة بقوله : ﴿وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ﴾ في ما أمراكم به من الجهاد وسائر العبادات ، وما نهياكم عنه من أخذ الرّبا الذي يماثل الكفر ، وغيره من المحرّمات ﴿لَعَلَّكُمْ﴾ بالطّاعة ﴿تُرْحَمُونَ﴾ فإنّها موجبة لرجاء الرّحمة.
في دلالة الآية على غاية التغليظ في حرمة الربا
قيل : إنّ في الآيات من المبالغة في التّهديد على الرّبا ما لا يخفى على الفطن حيث أتى سبحانه ب ( لعلّ ) في فلاح من أتّقاه واجتنبه ؛ لأنّ تعليق إمكان الفلاح ورجائه بالاجتناب منه ، يستلزم امتناع الفلاح لهم إذا لم يجتنبوه ويتّقوه مع إيمانهم ، ثمّ أوعد عليه بالنّار التي أعدّت للكافرين ، مع كونهم مؤمنين. فما أعظمها من معصية توجب عقاب الكفّار للمؤمنين ، وما أشدّه من تغليظ عليه ! ثمّ أيّد التّغليظ بالأمر بإطاعة الله ورسوله ؛ تعريضا بأنّ آكل الرّبا منهمك في المعصية ولا طاعة له.
ثمّ علّق رجاء المؤمنين رحمة الله بالطّاعة ؛ إشعارا بأنّه لا رجاء للرّحمة مع هذا النّوع من العصيان ، فهو يوجب اليأس من رحمته للمؤمنين لانتفائها لهم معه. فانظر كيف درّج التّغليظ في التّهديد ، حتّى ألحقه بالكفّار في الجزاء والعقاب ، انتهى (٢) .
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « لعن الله آكل الرّبا ، وموكله ، وشاهده ، وكاتبه ، والمحلّل » (٣) .
﴿وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ
__________________
(١) تفسير الرازي ٩ : ٢ ، تفسير روح البيان ٢ : ٩٢.
(٢) تفسير روح البيان ٢ : ٩٣.
(٣) تفسير روح البيان ٢ : ٩٣.