فهذا عنى الله ، وكيف لا يكون له من الأمر شيء وقد فوّض الله إليه أن جعل ما أحلّ فهو حلال ، وما حرّم فهو حرام ؟ ! » (١) .
﴿وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ
غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢٩)﴾
ثمّ أنّه [ تعالى ] - لمّا ذكّر أنّ أمر المغفرة والتّعذيب إليه ، ولا دخل لغيره فيه - ذكر أنّ جميع امور الموجودات راجعة إليه ، بقوله : ﴿وَلِلَّهِ﴾ بالملكية التّامة ؛ بلا مشارك ولا مضادّ ﴿ما﴾ وجد ﴿فِي السَّماواتِ وَما﴾ خلق ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ فامور جميع الموجودات - إيجادا وإعداما ، وإحياء وإماتة ، وتصرّفا وترتيبا - راجعة إليه ، لا مدخل لغيره فيها ، فهو سبحانه ﴿يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ﴾ أن يغفر له ، بحسب الحكمة والتّفضّل ﴿وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ﴾ أن يعذّبه ، بحسب العدل والاستحقاق.
وإنّما قدّم المغفرة على التّعذيب ، للدّلالة على غلبة جانب الرّحمة على الغضب ، وللإشعار بأنّ المغفرة أصل في الغرض من الخلقة ، والتّعذيب مقصود بالعرض.
ولذا ختم الآية بتوصيف ذاته المقدّسة - بعد ذكر التّعذيب - بالمغفرة والرّحمة ، بقوله : ﴿وَاللهُ غَفُورٌ﴾ للذّنوب ﴿رَحِيمٌ﴾ بالعباد. وتقديم المغفرة على الرّحمة ، لتقدّم الأمن من العذاب على الوعد بالرّحمة والثّواب.
قيل : إنّ الآية صريحة في نفي وجوب التّعذيب (٢) ، لتعليقه على مشيئته [ تعالى ] .
وفيه : إنّ مشيئته [ تعالى ] لا تكون إلّا عن حكمة بالغة ، ومعنى الوجوب : عدم إمكان تخلّفه عن مقتضاها ، لا الوجوب التّكليفي ، كما هو واضح على ذي مسكة.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
* وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ (١٣٠) و (١٣٢)﴾
في حرمة الربا
ثمّ أنّه تعالى بعد ما أناط السّلامة من كيد العدوّ وضرّه بالصّبر والتّقوى ، وهدّد الكفّار بأنّه يعذّبهم في الآخرة إن لم يتوبوا ويسلموا ، نبّه على إناطة السّلامة من عذاب النّار في الآخرة باجتناب أكل الرّبا والتّقوى ، وأنّ للمؤمنين معصية تشارك الكفر في العقوبة ، بقوله : ﴿يا أَيُّهَا
__________________
(١) تفسير العياشي ١ : ٣٣٧ / ٧٧٨ ، تفسير الصافي ١ : ٣٥٠.
(٢) تفسير البيضاوي ١ : ١٧٩.