الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١٢٦)﴾
ثمّ بيّن سبحانه علّة إمداد المؤمنين ونصرتهم بالملائكة ، مع كونه تعالى قادرا عليها بلا واسطة ؛ بقوله : ﴿وَما جَعَلَهُ اللهُ﴾ بإنزال الملائكة ، لعلّة من العلل ﴿إِلَّا﴾ لكونه ﴿بُشْرى﴾ وسرورا ﴿لَكُمْ﴾ بالنّصر ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ﴾ وتسكن إليه أفئدتكم من الخوف ، كما كانت السّكينة لبني إسرائيل ، حيث إنّ نظر العامّة إلى الأسباب ﴿وَمَا النَّصْرُ﴾ والغلبة لأحد على عدوّه ﴿إِلَّا﴾ وهو كائن ﴿مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾ وحده ، لا من العدّة والعدد ؛ لأنّه ﴿الْعَزِيزِ﴾ الغالب في حكمه وقضائه ، لا يغالب ﴿الْحَكِيمِ﴾ العالم بحقائق الأمور ، لا يفعل ما يفعل إلّا بالنّظر إلى الحكمة البالغة ، والصّلاح الأتمّ.
﴿لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (١٢٧)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعدما بيّن علّة نصر الرّسول والمؤمنين بواسطة إنزال الملائكة - الذي هو من قبيل الأسباب ، مع عدم حاجته تعالى في فعله إليها بوجه من الوجوه ؛ لأنّه المسبّب للأسباب - بيّن سبحانه وتعالى علّة أصل نصرة المؤمنين على الكفّار ، بقوله : ﴿لِيَقْطَعَ﴾ وينقص ﴿طَرَفاً﴾ وطائفة ﴿مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالقتل والأسر ، فإنّه قتل من رؤسائهم وصناديدهم سبعون وأسر سبعون ﴿أَوْ يَكْبِتَهُمْ﴾ ويغيضهم بخزيهم وقهرهم ﴿فَيَنْقَلِبُوا﴾ إلى أماكنهم ، ويرجعوا إلى منازلهم ﴿خائِبِينَ﴾ محرومين من الظّفر ، منهزمين عن القتال. وكلمة ( أو ) هنا للتّنويع ، لا التّرديد.
﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (١٢٨)﴾
ثمّ إنّه تعالى - لإظهار شدّة الغضب على قريش ، أو خصوص الحاضرين منهم في بدر أو احد ، ولإعذار النبيّ صلىاللهعليهوآله عند أرحامه وعشيرته - سدّ باب شفاعته لهم ، بقوله : ﴿لَيْسَ لَكَ﴾ مع كونك أقرب الخلق إليّ ، وأحبّهم لديّ ﴿مِنَ الْأَمْرِ﴾ الراجع إلى هؤلاء الكفّار ﴿شَيْءٌ﴾ من الدّخالة والشّفاعة فضلا عن غيرك ، بل الأمر كلّه لله المالك القاهر.
فإذن يتعامل معهم بأحد هذين الأمرين ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ إن يتوبوا ويسلموا ، ﴿أَوْ يُعَذِّبَهُمْ﴾ بالقتل والأسر والذّل والفقر والمرض في الدّنيا ، وبالنّار والزّقّوم والضّريع في الآخرة ، إن أقاموا على الكفر ، وأصرّوا على الضّلال. وليس لأحد الاعتراض على الله في تعذيبهم ﴿فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ﴾ على رسوله وعلى المؤمنين ، والظلم لكونه أشدّ القبائح ، موجب لاستحقاق أشدّ العذاب.