وعن سعد بن أبي وقّاص قال : كنت أرمي السّهم يومئذ ، فيردّه إليّ رجل أبيض حسن الوجه ، وما كنت أعرفه فظننت أنّه الملك (١) .
وأمّا القائلون بأنّ هذه البشارة كانت في بدر ، [ فقد ] جمعوا بينها وبين قوله تعالى : ﴿فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾(٢) بأنّ الله تعالى أمدّ الرّسول صلىاللهعليهوآله وأصحابه أولا بألف ، ثمّ زاد فيهم ألفين [ فصاروا ثلاثة آلاف ] ، ثمّ زاد ألفين آخرين ، فصاروا خمسة آلاف ، فكأنّه صلىاللهعليهوآله قال لهم : « أ لن يكفيكم أن يمدّكم ربّكم بألف من الملائكة ؟ » فقالوا : بلى ، ثمّ قال : ﴿أَ لَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ ...﴾(٣) .
ثمّ بلغ أصحاب بدر أنّ بعض المشركين يريد إمداد قريش بعدد كثير ، ونقل أنّه بلغهم أنّ كرز بن جابر المحاربي يريد أن يمدّ المشركين ، فشقّ ذلك على المسلمين (٤) ، فبشّرهم الله تعالى لطمأنة قلوبهم بقوله : ﴿بَلى﴾ يكفيكم ذلك.
ثمّ وعدهم الزّيادة بشرط الصّبر والتّقوى حثّا لهم عليهما ، وتقوية لقلوبهم بقوله : ﴿إِنْ تَصْبِرُوا﴾ أيّها المؤمنون على منازلة الأعداء ومناهضتهم ﴿وَتَتَّقُوا﴾ معصية الله ، ومخالفة الرّسول ، ﴿وَ﴾ المشركون ﴿يَأْتُوكُمْ﴾ بخيلهم ورجلهم ﴿مِنْ فَوْرِهِمْ هذا﴾ وساعتهم هذه ، بلا ريث وتأخير ﴿يُمْدِدْكُمْ﴾ ويقوّيكم ﴿رَبُّكُمْ﴾ الذي هو بلطفه ناصركم وحافظكم حين إتيانهم ﴿بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ﴾ حال كونهم ﴿مُسَوِّمِينَ﴾ معلمين (٥) أنفسهم أو خيولهم.
روي أنّهم كانوا بعمائم بيض إلّا جبرئيل فإنّه كان بعمامة صفراء (٦) .
وفي رواية : أنّهم كانوا قد أعلموا (٧) في نواصي الخيل. وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال لأصحابه : « تسوّموا فإنّ الملائكة [ قد ] تسوّمت » (٨) .
قالوا : إنّ العرب كانوا يجعلون في الحروب لأنفسهم علامة يعرفون بها.
ونقل أنّ حمزة بن عبد المطلب كان يعلم بريش نعامة ، وأنّ عليّا كان يعلم بصوفة بيضاء ، وأنّ الزّبير كان يتعصّب بعصابة صفراء ، وأنّ أبا دجانة (٩) كان يعلم بعصابة حمراء (١٠) .
﴿وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ
__________________
(١) تفسير الرازي ٨ : ٢١١.
(٢) الأنفال : ٨ / ٩.
(٣) تفسير الرازي ٨ : ٢١١.
(٤) تفسير الرازي ٨ : ٢١٢.
(٥) أي جاعلين لها علامة مميّزة.
(٦) تفسير أبي السعود ٢ : ٨٠.
(٧) زاد في تفسير أبي السعود : بالعهن.
(٨) تفسير أبي السعود ٢ : ٨١.
(٩) أبو دجانة ، هو سماك بن خرشة الخزرجي الأنصاري ، صحابي ، من الشجعان ، شهد بدرا ، وثبت يوم احد ، واصيب بجراحات كثيرة ، واستشهد باليمامة سنة ١١ ه . الأعلام / الزركلي ٣ : ١٣٨.
(١٠) تفسير الرازي ٨ : ٢١٥.