وقيل : هو اسم الموضع أو الوادي (١) .
وكانت الوقعة في السّابع عشر من شهر رمضان ، سنة اثنتين من الهجرة ، وكانت الوقعة آية عظيمة ، ولذا بيّن الله عظمتها بقوله : ﴿وَأَنْتُمْ﴾ أيّها المؤمنون في تلك الوقعة ﴿أَذِلَّةٌ﴾ ضعفاء من حيث قلّة العدد والمال والسّلاح والمركوب ، ومع ذلك قهرتم خصومكم ، وظفرتم على أعدائكم ، مع كثرة عددهم وسلاحهم وشوكتهم ، وفزتم بمطلوبكم بفضل الله ونصره.
ولمّا شاهدتم النّصر الخارق للعادة في تلك الوقعة عند صبركم في نصرة الرّسول وطاعتكم لله ﴿فَاتَّقُوا اللهَ﴾ في الثّبات في هذه الوقعة أيضا ، واصبروا ﴿لَعَلَّكُمْ﴾ بنصرته لكم فيها ، وبنعمته عليكم ﴿تَشْكُرُونَ﴾ كما شكرتم ما أنعم عليكم من النّصر في تلك الوقعة.
﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَ لَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ
مُنْزَلِينَ * بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ
بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (١٢٥و١٢٤)﴾
ثمّ وجّه الله سبحانه الخطاب إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله تشريفا له ، وإيذانا بأنّ النّصر كان ببشارته صلىاللهعليهوآله ، وعيّن وقت وقوعه بقوله : ﴿إِذْ تَقُولُ﴾ يا محمّد تبشيرا ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ يوم بدر ، حين أظهروا الضّعف والعجز عن المقاتلة. وذلك منسوب إلى أكثر المفسّرين.
وعن ابن عبّاس ، والواقدي ، وجماعة : أنّه صلىاللهعليهوآله حين غدا من منزل أهله للخروج إلى احد (٢) ، قال للمؤمنين تقوية لقلوبهم : ﴿أَ لَنْ يَكْفِيَكُمْ﴾ ويغنيكم للنّصر والغلبة على أعدائكم ﴿أَنْ يُمِدَّكُمْ﴾ ويعينكم ﴿رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ﴾ حال كونهم ﴿مُنْزَلِينَ﴾ من السّماء بأمره تعالى لنصركم.
في ذكر الاختلاف في أن التبشير بامداد الملائكة كان في بدر أو احد
قيل : إنّ الله أنزل الملائكة يوم احد لنصرة المؤمنين ، ولمّا كان النصر مشروطا بالصّبر والتّقوى ، وهم في ذلك اليوم لم يصبروا ، ولم يتّقوا ، فلم يمدّوهم.
وعن مجاهد والواقدي ، قالا : حضرت الملائكة يوم احد ، ولكنّهم لم يقاتلوا.
ويؤيّده ما روي من أنّ الرّسول صلىاللهعليهوآله أعطى اللّواء مصعب بن عمير فقتل مصعب ، فأخذه ملك في صورة مصعب ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « يا مصعب » فقال الملك : لست بمصعب ، فعرف الرّسول صلىاللهعليهوآله أنّه ملك امدّ به (٣) .
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٢ : ٧٩.
(٢) تفسير الرازي ٨ : ٢٠٩.
(٣) تفسير الرازي ٨ : ٢١٠.