الرّوايات أنّه صلىاللهعليهوآله خرج من المدينة يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة ، وأصبح بالشّعب من احد يوم السّبت للنّصف من شوّال لسنة ثلاث من الهجرة ، فمشى على رجليه ، وجعل يصفّ أصحابه للقتال كأنّما يقوّم بهم (١) القدح ، إن رأى صدرا خارجا قال : تأخّر. وكان نزوله في جانب الوادي ، وجعل ظهره عسكره إلى احد ، وأمّر عبد الله بن جبير على الرّماة وقال : « ادفعوا عنّا بالنّبل ، حتّى لا يأتونا من ورائنا » ، وقال صلىاللهعليهوآله : « اثبتوا في هذا المقام ، فلن نزال غالبين ما ثبتم في مكانكم » .
ثمّ إنّ الرّسول صلىاللهعليهوآله لمّا خالف [ رأي ] عبد الله بن أبيّ ، شقّ عليه ذلك وقال : « أطاع الولدان وعصاني » ثمّ قال لأصحابه : إنّ محمّدا إنّما يظفر بعدوّه بكم ، وقد وعد أصحابه أنّ أعداءه إن عاينوهم انهزموا ، فإذا رأيتم أعداءهم فانهزموا ، فيتبعونكم فيصير الأمر على خلاف ما قاله محمّد.
فلمّا التقى الفريقان انهزم عبد الله بالمنافقين ، وكان جملة عسكر المسلمين ألفا ، أو تسعمائة وخمسين ، فانهزم عبد الله بن أبيّ مع ثلاثمائة ، فبقيت سبعمائة أو ستمائة وخمسين ، فتبعهم عمرو بن حزم الأنصاري فقال : أنشدكم الله في نبيّكم وأنفسكم ، فقال عبد الله : لو نعلم قتالا لاتّبعناكم.
وكان حيّان من الأنصار ؛ بنو سلمة من الخزرج ، وبنو حارثة من الأوس ، جناحين من عسكر رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فهمّ الحيّان باتّباع عبد الله ، فتفضّل الله عليهما وعلى المؤمنين بأن ثبّتهما وقوّى قلوبهما (٢) ، فذكّر المؤمنين هذه النّعمة بقوله : ﴿إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ﴾ أيّها المؤمنون ﴿أَنْ تَفْشَلا﴾ وتضعفا عن القتال جبنا وترجعا إلى المدينة. عن ابن عبّاس رضى الله عنه قال : أضمروا أن يرجعوا ، فعزم الله لهم على الرّشد (٣) .
﴿وَاللهُ﴾ بفضله عليهما وعلى المؤمنين ﴿وَلِيُّهُما﴾ وعاصمهما من اتّباع تلك الخطرة (٤)﴿وَعَلَى اللهِ﴾ وحده دون من عداه استقلالا واشتراكا ﴿فَلْيَتَوَكَّلِ﴾ وليعتمد ﴿الْمُؤْمِنُونَ﴾ في جميع امورهم ، فإنّه حسبهم ونعم الوكيل.
فإنّ من آمن وتيقّن بقدرة الله ولطفه بعباده المؤمنين ، وعونه ونصرته لهم ، لا يعرضه الفشل في الأمور ، ولا يطروه الخوف من غيره تعالى ، سيّما في الجهاد في سبيله ونصرة دينه.
ثمّ استشهد سبحانه على نصرته المؤمنين عند الصّبر والتّقوى ، بنصرته لهم في وقعة بدر ، حيث قال تعالى تذكيرا لهم : ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ﴾ على أعدائكم ﴿بِبَدْرٍ﴾ قيل : هو اسم ماء بين مكّة والمدينة ، كان لرجل اسمه بدر بن كلدة (٥) ، فسمّي باسمه ، وقيل : سمّي به لصفائه [ كالبدر ] واستدارته، (٦)
__________________
(١) في النسخة : به.
(٢) تفسير الرازي ٨ : ٢٠٥ ، تفسير أبي السعود ٢ : ٧٨ ، تفسير روح البيان ٢ : ٨٨.
(٣) تفسير أبي السعود ٢ : ٧٩.
(٤) الخطرة : ما يخطر على القلب.
(٥) الذي في معجم البلدان ١ : ٤٢٥ : ينسب إلى بدر بن يخلد بن النضر بن كنانة ، أو بدر بن قريش بن الحارث بن يخلد.
(٦) تفسير أبي السعود ٢ : ٧٩.