وأمّا قوله تعالى : ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾(١) فلا شبهة أنّه مجاز في السّلب بعلاقة انتفاء الآثار ، كما يقال : يا رجال ولا رجال.
وأمّا قوله تعالى : ﴿الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ﴾ فقد قيل في تفسيره : إنّ المراد : الطّيّبات من القول والكلم ، أو المبرّأة من الزّنا ، فيكون مثل قوله : ﴿الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾(٢) .
ويؤيّد ذلك أنّ الآية (٣) بعد آية رمي المحصنات من قوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ﴾(٤) ولا شبهة أنّ أزواج الأنبياء بريئات من الزّنا ، وإن كنّ كافرات ، لوضوح أنّ هذا الفحش منهنّ شين عليهم ، مع أنّ البراءة من كلّ قبيح يساوق العصمة ، مع أنّه لم يقل أحد في سائر أزواجه صلىاللهعليهوآله ذلك.
مع أنّه لا شبهة أنّ الخطاب في قوله تعالى : ﴿إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾(٥) لحفصة وعائشة ، وفيه دلالة واضحة على عصيانهما ، وعدم تنزّههما من القبيح ، مع تواتر أنّها (٦) تبرّجت بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله تبرّج الجاهليّة ، وخرجت على إمام زمانها. وقد ذكر ابن أبي الحديد أنّ منشأ عداوة أبي بكر وعمر لفاطمة وعليّ عليهماالسلام شدّة حسد عائشة وحفصة عليهما ، وسعايتهما عليهما عند أبويهما (٧) .
والحاصل : أنّه لا ينبغي لذي مسكة أن يتخيّل أنّ عائشة كانت مبرّأة من كلّ قبيح (٨) .
في ذكر وقعة احد
ثمّ إنّ الآية والرّوايات وإن دلّتا على خروجه من بيت أهله أوّل النّهار ، إلّا أنّ في بعض
__________________
(١) هود : ١١ / ٤٦. (٢) النور : ٢٤ / ٣.
(٣) أي ( آية وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ ) .
(٤) النور ٢٤ / ٢٣. (٥) التحريم : ٦٦ / ٤.
(٦) أي عائشة.
(٧) راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ : ١٩٢ - ١٩٩.
(٨) واعلم أن التطهير من الرجس يشمل أهل الكساء الذين نزلت فيهم آية التطهير من سورة الأحزاب : ٣٣ وهم أهل البيت : النبيّ صلىاللهعليهوآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام وليس غيرهم ، وقد روى ذلك مسلم في صحيحه ٤ : ١٨٨٣ / ٢٤٢٤ ، والحاكم في المستدرك ٣ : ١٤٦ ، وقال الفخر الرازي في تفسيره ٨ : ٨٥ إن هذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير.
واعلم أن النبيّ صلىاللهعليهوآله أخرج أمّ سلمة مع جلالتها من أهل البيت فقال لها : إنك على خير ولم يقل إنك منهم ، أخرجه الترمذي في السنن ٥ : ٣٥١ / ٣٢٠٥ ، والحاكم في المستدرك ٢ : ٤١٥. كما أن السيرة العملية لبعض نساء النبيّ صلىاللهعليهوآله تخرجهن عن دائرة العصمة والطهارة من الذنوب فقد قال تعالى في بعضهن : ﴿إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ﴾[ التحريم : ٦٦ / ٤ ] والآية تدلّ على وقوع المعصية ، لأنّ التوبة مترتبة على المعصية ، وقال تعالى في نفس الآية : ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما﴾ أي مالت عن الحق ، وقال تعالى في نفس الآية : ﴿وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ﴾ والمراد حفصة وعائشة ، كما في البخاري ٦ : ٢٧٧ / ٤٠٧ ، والكشاف ٤ : ٥٧١. وذلك يخرج صاحبه عن حد الطهارة والعصمة من الآثام ، وعليه فان التطهير لا يشمل نساء النبيّ صلىاللهعليهوآله بل مخصوص بالخمسة أهل الكساء من أهل البيت عليهمالسلام دون غيرهم.