ومن يحيا منّا كان مجاهدا في سبيل الله (١) ، اخرج بنا إلى هؤلاء الأكلب (٢) لئلّا يظنّوا أنّا خفناهم.
فقال صلىاللهعليهوآله : « إنّي قد رأيت في منامي بقرة (٣) تذبح حولي ، فأوّلتها خيرا ، ورأيت في ذباب (٤) سيفي ثلما ، فأوّلته هزيمة ، ورأيت كأنّي أدخلت يدي في درع حصينة ، فأوّلتها المدينة ، فإن رأيتم [ أن ] تقيموا بالمدينة وتدعوهم » .
فقال قوم من المسلمين ؛ من الّذين فاتتهم بدر ، وأكرمهم الله بالشّهادة يوم احد : اخرج بنا إلى أعدائنا. فلم يزالوا به حتّى دخل بيته ولبس لامته ، فلمّا لبس ندم القوم وقالوا : بئسما صنعنا ، نشير على رسول الله صلىاللهعليهوآله والوحي يأتيه ، فقالوا له : اصنع يا رسول الله ما رأيت ، فقال : « لا ينبغي لنبيّ أن يلبس لأمته فيضعها حتّى يقاتل » (٥) .
وفي رواية القمّي رحمهالله : وخرج صلىاللهعليهوآله مع نفر من أصحابه يتبوّأون (٦) موضع القتال (٧) .
في نقل كلام الفخر في طهارة عائشة وردّه
قال الفخر الرازي في تفسيره : يروى أنّه صلىاللهعليهوآله غدا من منزل عائشة ، فمشى على رجليه إلى احد. وهذا قول مجاهد والواقدي ، فدلّ هذا النصّ على أن عائشة كانت أهلا للنبيّ صلىاللهعليهوآله ، وقال تعالى : ﴿الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ﴾(٨) ، فدلّ هذا النصّ على أنّها كانت مطهّرة مبرّأة من كلّ قبيح. ألا ترى أنّ ولد نوح لمّا كان كافرا قال تعالى : ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾(٩) وكذا امرأة لوط ؟ (١٠) .
أقول : في كلامه خلل لا يكاد يخفى على عاقل ، فضلا عن فاضل ، فإنّ إطلاق ( الأهل ) على عائشة - على تقدير إرادتها منه - غير مشعر أصلا بكمال وشرف لها زائدا على شرف الانتساب إليه صلىاللهعليهوآله ؛ كما كان هذا الشّرف لزوجة نوح ولوط ، بل الإشعار فيه بإسلامها ، لوضوح أنّ الزّوجة - في اللّغة والعرف - أحد المصاديق الحقيقية للأهل.
ومن الواضح أنّ الله تعالى أطلق اسم الأهل على زوجة لوط ، حيث قال : ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ﴾ فلو لم تكن زوجته داخلة في ( الأهل ) لم يصحّ الاستثناء بقوله : ﴿إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾(١١) فصحّة الاستثناء دليل على شمول لفظ ( الأهل ) لها حقيقة ، وإخراجها منه حكما. وكذا أطلق نوح اسم الأهل على ابنه بقوله : ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾(١٢) مع علمه بكفره.
__________________
(١) تفسير القمّي ١ : ١١١.
(٢) الأكلب : جمع كلب.
(٣) في تفسير الرازي : بقرا.
(٤) ذباب السيف : حدّ طرفيه.
(٥) تفسير الرازي ٨ : ٢٠٥.
(٦) في تفسير القمي : يبتغون.
(٧) تفسير القمي ١ : ١١١.
(٨) النور : ٢٤ / ٢٦.
(٩) هود : ١١ / ٤٦.
(١٠) تفسير الرازي ٨ : ٢٠٦.
(١١) هود : ١١ / ٨١.
(١٢) هود : ١١ / ٤٥.