﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ
هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ *
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢١) و (١٢٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى لمّا وعد الحفظ والنّصرة مطلقا ، على الصّبر والتّقوى ، المستلزم لانتفائهما عند انتفائهما ، أتبعه بقضيّة احد الشّاهدة عليه ، بقوله : ﴿وَ﴾ ذكّر المؤمنين ﴿إِذْ غَدَوْتَ﴾ يا محمّد ، وحين خرجت أوّل النّهار ﴿مِنْ﴾ عند ﴿أَهْلِكَ﴾ وزوجتك قاصدا للذّهاب إلى أحد ، كي ﴿تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وتنزلهم ، أو تهيّىء لهم ﴿مَقاعِدَ﴾ وأماكن ينتظرون فيها للعدوّ ، ويقفون فيها ﴿لِلْقِتالِ﴾ وإنّما سمّيت تلك الأماكن بالمقاعد ؛ لأنّهم كانوا يقعدون فيها منتظرين للعدوّ ، فإذا جاءهم قاموا للمحاربة ﴿وَاللهُ سَمِيعٌ﴾ لمقال أصحابك في مشاورتك إيّاهم ﴿عَلِيمٌ﴾ بما في ضمائرهم من النّيّات الحسنة والسّيّئة.
في سبب وقعة احد
عن القمّي رحمهالله : عن الصادق عليهالسلام قال : « سبب غزوة احد أنّ قريشا لمّا رجعت من بدر إلى مكّة - وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر ؛ لأنّه قتل منهم سبعون ، واسر منهم سبعون - قال أبو سفيان : يا معشر قريش ، لا تدعوا نساءكم يبكين على قتلاكم ، فإنّ الدّمعة إذا خرجت أذهبت الحزن (١) والعداوة لمحمّد (٢) ، فلمّا غزوا رسول الله صلىاللهعليهوآله [ يوم احد ] أذنوا لنسائهم بالبكاء والنّوح ، وخرجوا من مكّة في ثلاثة آلاف فارس ، وألفي راجل ، وأخرجوا معهم النّساء ، فلمّا بلغ رسول الله صلىاللهعليهوآله جمع أصحابه وحثّهم على الجهاد ... » (٣) .
وروي أنّ المشركين نزلوا باحد يوم الأربعاء ، فاستشار رسول الله صلىاللهعليهوآله أصحابه ، ودعا عبد الله بن ابيّ بن سلول ، ولم يدعه قطّ قبلها باستشارة (٤) ، فقال عبد الله وأكثر الأنصار : يا رسول الله ، أقم بالمدينة ولا تخرج إليهم والله ، ما خرجنا منها إلى عدوّ قط إلّا أصاب منّا ، ولا دخل عدوّ علينا إلّا أصبنا منه ، وكيف وأنت فينا ، فدعهم فإن أقاموا أقاموا بشرّ موضع ، وإن دخلوا قاتلهم الرّجال في وجوههم ، ورماهم النّساء والصّبيان بالحجارة ، وإن رجعوا رجعوا خائبين (٥) .
وقال سعد بن معاذ وغيره من الأوس : يا رسول الله ، ما طمع فينا أحد من العرب ونحن مشركون نعبد الأصنام ، فكيف يظفرون بنا وأنت فينا ؟ ! لا حتّى لا نخرج إليهم ونقاتلهم ، فمن قتل منّا فهو شهيد،
__________________
(١) زاد في المصدر : والحرقة.
(٢) زاد في المصدر : ويشمت بنا محمّد وأصحابه.
(٣) تفسير القمي ١ : ١١٠ ، تفسير الصافي ١ : ٣٤٥.
(٤) في تفسير الرازي : فاستشاره.
(٥) تفسير الرازي ٨ : ٢٠٥.