قيل : إنّه كناية عن أنّه لا وسيلة للخلاص من هذا الغيظ إلّا الموت ، فمن رام التّخلّص منه فليتمنّى الموت وقيل : إنّه دعاء عليهم بالموت قبل بلوغ ما يتمنّونه (١) .
ثمّ أمره عليهالسلام بتهديدهم ، بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ ومطّلع على جميع ما تخفونه وتكتمونه في قلوبكم من نيّات السّوء ، والحقد والحسد على المؤمنين ، ويجازيكم بأشدّ العذاب. وقيل : إنّه جملة مستأنفة.
﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا
لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (١٢٠)﴾
ثمّ بيّن الله تعالى شدّة حسدهم ، وتناهي عداوتهم للمؤمنين ، بقوله : ﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ﴾ وتصل إليكم ﴿حَسَنَةٌ﴾ وخير من ربّكم من قوّة دينكم ، وضعف أعدائكم ، وظهوركم عليهم ، والغنيمة منهم ، والألفة والمحابة بينكم ، وخصب معيشتكم ، وسعة رزقكم ﴿تَسُؤْهُمْ﴾ وتحزنهم ﴿وَإِنْ تُصِبْكُمْ﴾ وترد عليكم ﴿سَيِّئَةٌ﴾ وبليّة من مرض أو فقر أو جرح أو قتل ﴿يَفْرَحُوا﴾ ويسرّوا ﴿بِها﴾ ويشتموكم منها.
ثمّ لمّا كانت هذه المرتبة من العداوة والحسد موجبا للخوف منهم ، أمّن الله سبحانه المؤمنين بقوله : ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا﴾ على عداوتهم ، وامتثال أحكام دينكم ﴿وَتَتَّقُوا﴾ ربّكم في مخالفة تكاليفه ﴿لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ﴾ ومكرهم وحيلتهم - التي يحتالونها لأجلكم - ﴿شَيْئاً﴾ من الضّرر ، فإنّكم في حفظ الله الموعود للصابرين والمتّقين.
قال بعض العلماء : إنّ الله تعالى إنّما خلق الخلق للعبوديّة كما قال : ﴿وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾(٢) فمن وفى بعهد العبوديّة ، فالله سبحانه أكرم من أن لا يفي بعهد الرّبوبيّة ، في حفظه عن الآفات والمخافات ، وإليه الإشارة بقوله : ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً﴾(٣) وقوله : ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾(٤) إشارة إلى أنّه يوصل إليه كلّ ما يسرّه.
وقال بعض الحكماء : إذا أردت أن تكبت من يحسدك ، فاجتهد في اكتساب الفضائل (٥) .
ثمّ سلّى سبحانه قلوب المؤمنين بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ﴾ في عداوتكم من الكيد والإيذاء ﴿مُحِيطٌ﴾ علما ، ومدرك له كاملا ، فيعاقبهم عليه أشدّ العقاب.
__________________
(١) تفسير الرازي ٨ : ٢٠١.
(٢) الذاريات : ٥١ / ٥٦.
(٣) الطلاق : ٦٥ / ٢.
(٤) الطلاق : ٦٥ / ٣.
(٥) تفسير الرازي ٨ : ٢٠٣.