بذلك الإهلاك والتّوريث ﴿كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى﴾ ووعده بالنّصر ، والغلبة على الأعداء ، وتوريث الأراضي المقدّسات ﴿عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ مع غاية ضعفهم وذلّهم وأسرهم في أيدي الفراعنة ﴿بِما صَبَرُوا﴾ على الشّدائد والمحن التي أصابوها منهم ﴿وَدَمَّرْنا﴾ وخرّبنا ﴿ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ﴾ من القبط من العمارات والقصور العالية ﴿وَما كانُوا يَعْرِشُونَ﴾ ويرفعون من جنّات الكروم والأشجار المحتاجة إلى العريش ، أو من الأبنية الرّفيعة.
﴿وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا
يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ
ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان نعمه الجسام على بني إسرائيل ، ذكر نعمة مجاوزتهم من البحر مع السّلامة ، وكفرانهم لتلك النّعم لغاية جهلهم ؛ بقوله : ﴿وَجاوَزْنا﴾ وعبرنا بإعجاز موسى عليهالسلام وكرامته ﴿بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ﴾ القلزم بعد إغراق فرعون وقومه فيه ، وإهلاكهم ﴿فَأَتَوْا﴾ ومرّوا ﴿عَلى قَوْمٍ﴾ من العمالقة الكنعانيّين - على قول - أو على قبيلة في نواحي مصر ، فرأوهم ﴿يَعْكُفُونَ﴾ ويواظبون ﴿عَلى﴾ عبادة ﴿أَصْنامٍ﴾ كانت ﴿لَهُمْ﴾ فلمّا شاهدوهم على ذلك ﴿قالُوا﴾ لفرط جهلهم ، وغاية سفههم : ﴿يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا﴾ صنما أيضا ليكون لنا ﴿إِلهاً﴾ ومعبودا نعبده ﴿كَما﴾ يكون ﴿لَهُمْ﴾ من الأصنام ﴿آلِهَةٌ﴾ ومعبودات يعبدونها. فغضب موسى من قولهم و﴿قالَ﴾ لهم : يا قوم ﴿إِنَّكُمْ﴾ في الحقيقة ﴿قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ وتفرطون في السّفه ﴿إِنَّ هؤُلاءِ﴾ القوم العاكفين على الأصنام ﴿مُتَبَّرٌ﴾ ومهلك ﴿ما هُمْ فِيهِ﴾ من الدّين الفاسد ، حيث إنّ الله يذهب به ويبيد أصنامهم ﴿وَباطِلٌ﴾ ومضمحلّ ﴿ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ من عبادتها ، لا يترتّب عليه نفع في الدّنيا ولا في الآخرة ، وإن كانوا متقرّبين به الى الله ، لأنّه محض الكفر. والحاصل أنّه لا أصنامهم تبقى ولا دينهم ينفع.
﴿قالَ أَ غَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ * وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ
فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي
ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (١٤٠) و (١٤١)﴾
ثمّ أنكر عليهم عبادة الأصنام بعد مشاهدتهم آيات وحدانية الله وعظام نعمه بقوله : ﴿قالَ أَ غَيْرَ اللهِ﴾ من الأصنام والجمادات ﴿أَبْغِيكُمْ﴾ وأطلب لكم ﴿إِلهاً﴾ ومعبودا ﴿وَهُوَ﴾ الذي خصّكم بنعمه