هذه ﴿الْأَرْضِ﴾ التي تمكّن فيها ، وتستريحون في محلّ راحته من بأسه ﴿فَيَنْظُرَ﴾ ويرى أنّكم بعد تلك النّعمة العظيمة عليكم ﴿كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ أتطيعونه أو تعصونه ، أو تشكرونه أو تكفرونه ؟ فيجازيكم حسبما يظهر منكم.
﴿وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٣٠)﴾
ثمّ بيّن الله تعالى غاية لطفه بفرعون وقومه بإنزال المحن والشّدائد عليهم حالا بعد حال ليؤدّبهم ويردعهم عن ما هم عليه من الكفر والطّغيان بقوله : ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنا﴾ وابتلينا ﴿آلَ فِرْعَوْنَ﴾ وقومه ﴿بِالسِّنِينَ﴾ المجدبة - كما عن القمي (١) - أو القحط ﴿وَنَقْصٍ﴾ كثير ﴿مِنَ الثَّمَراتِ﴾ بإنزال الآفات الكثيرة على بساتينهم وأشجارهم ، تأديبا لهم ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ ويتنبّهون أنّ ذلك بشؤم ما هم عليه من التمرّد والطّغيان والكفر والعصيان.
قيل : إنّ السّنين والقحط والجوع كان لأهل البوادي ، ونقص من الثّمرات كان لأهل القرى (٢) .
﴿فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ
مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣١)﴾
ثمّ بيّن الله تعالى أنّ تلك المحن مع أنّها لم توجب تنبّههم واتّعاظهم ، ولم تؤثّر في قلوبهم الرّقة والخشوع ، زادتهم عتوا بقوله : ﴿فَإِذا جاءَتْهُمُ﴾ من قبل الله ﴿الْحَسَنَةُ﴾ من الخصب والسّعة والصحّة ﴿قالُوا لَنا هذِهِ﴾ الحسنة ، وبحسن إقبالنا ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ من قحط ومرض وضرر ﴿يَطَّيَّرُوا﴾ ويتشاءموا ﴿بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ﴾ وتبعه في الدّين - القمّي رحمهالله قال : الحسنة هاهنا : الصحّة والسلامة والأمن والسّعة ، والسيئة هنا الجوع والخوف والمرض (٣) .
﴿أَلا إِنَّما﴾ يكون ﴿طائِرُهُمْ﴾ وما به خيرهم وشرّهم ونفعهم وضرّهم ﴿عِنْدَ اللهِ﴾ وبإرادته ومشيئته ، لا فاعل لها غيره تعالى ﴿وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ أنّ ما يصيبهم بقضاء الله وإرادته وبشؤم أعمالهم ، ومن يعلمه قليل منهم ، ولكن لا يعلمون بمقتضاه.
وعن ابن عبّاس قال : إنّما طائرهم ما قضى عليهم وقدّر لهم (٤) .
﴿وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * فَأَرْسَلْنا
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٢٣٧ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٢٨.
(٢) تفسير روح البيان ٣ : ٢١٧.
(٣) تفسير القمي ١ : ٢٣٧ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٢٩.
(٤) تفسير الرازي ١٤ : ٢١٦.