عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا
وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ
بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ
* فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (١٣٢) و (١٣٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد حكاية إسنادهم الحوادث إلى عادة الدّهر وشؤم موسى ، حكى مبالغتهم في الإصرار على تكذيب موسى عليهالسلام ، ولجاجهم معه ، وإنكار معجزاته وإسنادها إلى السّحر بقوله : ﴿وَقالُوا﴾ بعد مشاهدتهم المعجزات ، من العصا واليد البيضاء والقحط ونقص الثّمرات وغيرها : يا موسى ﴿مَهْما تَأْتِنا بِهِ﴾ وأيّ ما تظهر لنا ﴿مِنْ آيَةٍ﴾ وفعلة عجيبة ﴿لِتَسْحَرَنا بِها﴾ وتسكّر أبصارنا وتموّه علينا ﴿فَما نَحْنُ لَكَ﴾ في دعوى رسالتك وإعجاز ما أتيت به ﴿بِمُؤْمِنِينَ﴾ ومصدّقين ، فغضب موسى فدعا عليهم ﴿فَأَرْسَلْنا﴾ بدعائه ﴿عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ﴾ حال كون المذكورات ﴿آياتٍ مُفَصَّلاتٍ﴾ وعلامات بيّنات بحيث لم يكن يشكّ فيها أحد.
وقيل عنى بالمفصّلات متفرّقات منفصلات لامتحان أحوالهم قيل : كان امتداد كلّ اسبوعا ، وبين كلّ آيتين سنة ، وقيل : شهر.
﴿فَاسْتَكْبَرُوا﴾ وترفّعوا مع ذلك على الإيمان بموسى ﴿وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ﴾ ومعاندين للحقّ.
عن ابن عبّاس أنّه قال : إنّ القوم لمّا قالوا [ لموسى عليهالسلام ] : مهما تأتنا به من آية من ربّك ، فهي عندنا من باب السّحر ، ونحن لا نؤمن بها البتّة ، وكان موسى عليهالسلام رجلا حديدا (١) ، فعند ذلك دعا عليهم فاستجاب الله له ، فأرسل عليهم الطّوفان الدّائم ليلا ونهارا سبتا إلى سبت ، حتّى كان الرّجل منهم لا يرى شمسا ولا قمرا ، ولا يستطيع الخروج من داره ، وجاءهم الغرق فصرخوا إلى فرعون واستغاثوا به ، فأرسل إلى موسى عليهالسلام وقال : اكشف عنّا العذاب ، فقد صارت مصر بحرا واحدا ، فإن كشفت هذا العذاب آمنّا بك ، فأزال الله عنهم المطر ، وأرسل الرّياح فجفّفت الأرض ، وخرج من النبات ما لم يروا مثله قطّ.
فقالوا : هذا الذي جزعنا منه خير لنا لكنّا لا نشعر ، فلا والله لا نؤمن بك ولا نرسل معك بني إسرائيل ، فنكثوا العهد ، فأرسل الله عليهم الجراد فأكل النّبات ، وعظم الأمر عليهم ، حتّى صارت عند طيرانها تغطّي الشّمس ، ووقع بعضها على بعض في الأرض ذراعا فأكلت النّبات ، فصرخ أهل مصر ، فدعا
__________________
(١) الحديد من الحدّة : ما يعتري الإنسان من الغضب.