فعلت بنا ذلك.
قيل : إنّ المراد : أنا نموت لا محالة قتلتنا أم لا ، فلا نبالي بوعيدك (١) ، أو أنّا وإيّاكم جميعا ننقلب إلى الله ، فيحكم بيننا وبينكم ﴿وَما تَنْقِمُ مِنَّا﴾ ولا تغضب علينا ، أو لا تنكر منّا ولا تعيب علينا لجهة من الجهات ﴿إِلَّا﴾ لأجل ﴿أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا﴾ ومعجزاته التي أجراها على يد موسى عليهالسلام ﴿لَمَّا جاءَتْنا﴾ وشاهدناها ، وهذا الإيمان بحكم العقل عين الصّواب وكلّ المنقبة.
عن ابن عبّاس : يريد : ما أتينا بذنب تعذّبنا عليه إلّا أن آمنّا بآيات ربّنا من المعجزات الجارية على يد موسى عليهالسلام (٢) .
ثمّ أعرضوا عن فرعون وتوجّهوا إلى الله وتضرّعوا إليه وقالوا : ﴿رَبَّنا أَفْرِغْ﴾ وأفض ﴿عَلَيْنا﴾ وصب في قلوبنا ﴿صَبْراً﴾ كاملا كثيرا - كما يصبّ الماء في الإناء - حين القطع والصّلب ﴿وَتَوَفَّنا﴾ وأقبض أرواحنا حال كوننا ﴿مُسْلِمِينَ﴾ ولأوامرك وأوامر رسولك منقادين ، وبتوحيدك وبما جاء به موسى عليهالسلام متديّنين.
عن ابن عبّاس رضى الله عنه : أنّ فرعون قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، ثمّ صلبهم على شاطئ نيل مصر (٣) .
ثمّ روي أنّ فرعون بعد ما رأى من موسى عليهالسلام ما رأى من معجزة العصا واليد البيضاء ، خافه خوفا شديدا ، ولذا لم يجب ولم يتعرّض له بسوء ، بل خلّى سبيله (٤) .
﴿وَ﴾ لذا ﴿قالَ الْمَلَأُ﴾ والأشراف ﴿مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ﴾ اعتراضا وإنكارا عليه : ﴿أَ تَذَرُ﴾ وتترك ﴿مُوسى وَقَوْمَهُ﴾ من بني إسرائيل الّذين تبعوه على دينه ﴿لِيُفْسِدُوا﴾ على النّاس دينهم ﴿فِي﴾ هذه ﴿الْأَرْضِ﴾ وهذا البلد ﴿وَيَذَرَكَ﴾ ويتركك ﴿وَآلِهَتَكَ﴾ ومعبوداتك - قيل : كان يعبد الكواكب (٥) ، وقيل : إنّه صنع لقومه أصناما على صورته ، وأمرهم أن يعبدوها تقرّبا إليه (٦) - فأجابهم فرعون و﴿قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ﴾ كما كنّا نقتّلهم قبل مجيء موسى ﴿وَنَسْتَحْيِي﴾ ونبقي ﴿نِساءَهُمْ﴾ أحياء لنستخدمهنّ كما [ كنّا ] نستخدمهنّ فيما قبل ﴿وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ﴾ وعلى ما يزيد في حقّهم مقتدرون ، وعلى مملكة مصر مستقلّون ، كما كنّا كذلك من قبل ، وبنو إسرائيل تحت أيدينا في ذلّ الأسر والهوان كما كانوا كذلك ، فلم تتغيّر حالنا وحالهم بغلبة موسى علينا بالسّحر. فلمّا فشا هذا
__________________
(١) تفسير روح البيان ٣ : ٢١٤.
(٢) تفسير الرازي ١٤ : ٢٠٩.
(٣) تفسير روح البيان ٣ : ٢١٥.
(٤) تفسير روح البيان ٣ : ٢١٥.
(٥) تفسير روح البيان ٣ : ٢١٥.
(٦) تفسير روح البيان ٣ : ٢١٥.