والحلف (١) .
والظّاهر أنّ المراد النّهي عن موالاة عموم الكفّار ، وإن كان مورد النّزول خاصّا.
ثمّ لمّا كان الإخبار بالضمائر والأسرار إخبارا بالمغيّبات ، الخارج عن طوق البشر ، ومتوقّفا على الوحي ، نبّه الله سبحانه على كون هذا الإخبار من علائم صدق النّبوّة ، بقوله : ﴿قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ﴾ أيّها المؤمنون ﴿الْآياتِ﴾ الدّالّة على صدق محمّد في دعواه ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ وتعدّون من زمرة أهل الفهم والإدراك.
﴿ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا
آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ
بِذاتِ الصُّدُورِ (١١٩)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد تنبيه المؤمنين على خطئهم في اعتقاد النّصح في اليهود ، بالغ في الرّدع عن موالاتهم بقوله : ﴿ها﴾ أيّها المؤمنون وتنبّهوا ﴿أَنْتُمْ أُولاءِ﴾ المشتبهون فيهم ، حيث إنّكم ﴿تُحِبُّونَهُمْ﴾ بتخيّل أنّهم يحبّونكم ، ﴿وَ﴾ الحال أنّهم ﴿لا يُحِبُّونَكُمْ﴾ ولا يريدون خيركم وصلاح حالكم ، ﴿وَ﴾ أنتم ﴿تُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ﴾ المنزل من الله ﴿كُلِّهِ﴾ [ سواء ] كان هو التّوراة والإنجيل ، أو القرآن ، وتعتقدون أنّ جميعها حقّ ، وهم لتصلّبهم في دينهم لا يؤمنون بكتابكم.
قيل : فيه توبيخ شديد بأنّهم أصلب في باطلهم منكم في حقّكم.
ثمّ ذكّر الله تعالى من جملة الرّوادع عن مخالطتهم شدّة نفاقهم بقوله : ﴿وَإِذا لَقُوكُمْ﴾ وواجهوكم ﴿قالُوا﴾ بألسنتهم نفاقا : نحن ﴿آمَنَّا﴾ بنبيّكم وكتابكم كإيمانكم ﴿وَإِذا خَلَوْا﴾ وتفرّدوا منكم أظهروا شدّة العداوة والغيظ عليكم ، حتّى تبلغ الشدّة إلى أن ﴿عَضُّوا عَلَيْكُمُ﴾ واستمسكوا شديدا بالأسنان ﴿الْأَنامِلَ﴾ ورؤوس الأصابع ﴿مِنَ﴾ أجل ﴿الْغَيْظِ﴾ وشدّة الغضب تأسّفا وتحسّرا ، حيث لم يجدوا إلى التّشفّي سبيلا ، كما هو فعل من اشتدّ غضبه ، وعظم تحسّره على حرمانه من مطلوبه.
قيل : إنّما حصل لهم هذا الغيظ الشّديد لما رأوا من ائتلاف المؤمنين ، واجتماع كلمتهم ، وصلاح ذات بينهم (٢) .
ثمّ أمر الله نبيّه بتقريعهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ، لهؤلاء الحاسدين الغائظين : ﴿مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ﴾ واهلكوا بسبب شدّة عداوتكم وحسدكم.
__________________
(١) تفسير الرازي ٨ : ١٩٧.
(٢) تفسير الرازي ٨ : ٢٠١ ، تفسير روح البيان ٢ : ٨٥.