صاحبيها ، فإن صارت ثعبانا عند نومهما فإنّه ليس من السّحر ، ولا يقدر أهل العالم على معارضة الرّجلين. ثمّ حضر الأخوان مع أصحابهما - وكانوا أثني عشر ألفا ، وقيل : سبعين ألفا - عند فرعون وقالوا ما قالوا ، ثمّ ذكر الأخوان لأصحابهما ما وقع بينهما وبين أبيهما من السّؤال والجواب ، ففتّش السّحرة عن حال العصا وقت نوم موسى عليهالسلام ، فعلموا أنّ موسى عليهالسلام إذا نام تصير العصا حيّة وتحرسه ، فتردّد القوم وفتروا عن معارضته.
فجلس فرعون في قصره ، وطلب موسى عليهالسلام ، وأحضر السّحرة كي يعارضوه ، وحضر عامّة أهل مصر ، فاصطفّ السّحرة في جانب وقام ، موسى وهارون عليهماالسلام في جانب آخر ، فتقدّم السّحرة إليهما(١) و﴿قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ﴾ عصاك أوّلا ﴿وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ﴾ حبالنا وعصيّنا أوّلا ، فجعلوا الاختيار لموسى في السّبقة إلى الإلقاء.
قيل : كان سبب إيمانهم تأدّبهم مع موسى عليهالسلام (٢) .
قيل : في تغيير النّظم إشعار بميلهم إلى كونهم السّابقين في الإلقاء (٣) .
﴿قالَ﴾ لهم موسى تأكيدا لأمر المعجزة : ﴿أَلْقُوا﴾ انتم ، أولا حبالكم وعصيّكم ﴿فَلَمَّا أَلْقَوْا﴾ ما معهم ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ﴾ وخيّلوا إليهم ما لا حقيقة له ﴿وَاسْتَرْهَبُوهُمْ﴾ وبالغوا في إرعابهم ﴿وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ .
روي أنّهم جمعوا حبالا غلاظا وخشبا طوالا كأنّها حيّات جسام غلاظ ، ولطّخوا تلك الحبال بالزّئبق ، وجعلوا الزّئبق داخل تلك العصيّ ، فلمّا أثّرت حرارة الشّمس فيها تحرّكت والتوى بعضها على بعض ، وكانت كثيرة جدّا ، فتخيّل النّاس أنّها تتحرّك وتلتوي باختيارها ، وصار الميدان كأنّه مملوء بالحيّات(٤) .
﴿وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ
وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ * أُلْقِيَ السَّحَرَةُ
ساجِدِينَ * قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ * رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (١١٧) و (١٢٢)﴾
﴿وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ﴾ من يدك ، فألقاها ﴿فَإِذا هِيَ﴾ صارت حيّة عظيمة ﴿تَلْقَفُ﴾ وتبلع ﴿ما يَأْفِكُونَ﴾ ويزوّرون.
__________________
(١) تفسير روح البيان ٣ : ٢١٢ و٢١٣.
(٢) تفسير روح البيان ٣ : ٢١٣.
(٣) تفسير الرازي ١٤ : ٢٠٢.
(٤) تفسير روح البيان ٣ : ٢١٣.