يَسْمَعُونَ﴾ مواعظ الله وآياته ، وما يقصّ عليهم من العبر سماع القبول ، أو لا يعتنون بها كي ينتفعوا بها ويعتبروا منها ، فكأنّهم لا يسمعونها.
﴿تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا
لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (١٠١)﴾
ثمّ بيّن الله تعالى كيفيّة الطبع على القلوب بقوله : ﴿تِلْكَ الْقُرى﴾ الخمس التي ﴿نَقُصُ﴾ ونتلو ﴿عَلَيْكَ﴾ بعضا ﴿مِنْ أَنْبائِها﴾ وأخبارها التي فيها الغبطة والتّذكير ﴿وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ﴾ والمعجزات الباهرات ، ومع ذلك طبع على قلوبهم ﴿فَما كانُوا﴾ بعد مجيء الرّسل ، ومشاهدة المعجزات ، واستماع المواعظ والتّهديدات ﴿لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ﴾ بل استمرّوا على كفرهم السّابق ، وأصرّوا على ما كانوا عليه من التكذيب ﴿كَذلِكَ﴾ الطّبع الذي كان على قلوب أهالي القرى الخمس المهلكة الّذين مرّ ذكرهم ﴿يَطْبَعُ اللهُ﴾ ويختم ﴿عَلى قُلُوبِ﴾ جميع ﴿الْكافِرِينَ﴾ المصرّين على كفرهم من أهل عصرك وغيرهم ، فلا يدخل في قلوبهم الإيمان ، ولا تؤثّر فيها الآيات والنّذر ، فلا يحزنك تكذيبهم وإعراضهم.
في ذكر بعض اخبار عالم الذر والطينة
عن القمّي رحمهالله : لا يؤمنون في الدّنيا بما كذّبوا في الذرّ ، وهو ردّ على من أنكر الميثاق في الذرّ الأوّل (١) .
عن ( الكافي ) عن الباقر عليهالسلام : « أنّ الله خلق الخلق ، فخلق من أحبّ ممّا أحبّ ، وكان ما أحبّ أن خلقه من طينة الجنّة ، وخلق من أبغض ممّا أبغض ، [ وكان ما أبغض ] أن خلقه من طينة النّار ، ثمّ بعثهم في الظّلال » . فقيل : وأيّ شيء الظّلال ؟ قال : « ألم تر إلى ظلّك في الشّمس ؛ شيء وليس بشيء ، ثمّ بعث منهم النّبيّين فدعوهم إلى الإقرار بالله ، وهو قوله : ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾(٢) ، ثمّ دعوهم إلى الإقرار بالنبيّين ، فأقرّ بعضهم وأنكر بعض ، ثمّ دعوهم إلى ولايتنا ، فأقرّ بها والله من أحبّ وأنكرها من أبغض ، وهو قوله : ﴿فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ﴾ ثمّ قال : « كان التّكذيب ثمّ » (٣) .
وفي رواية اخرى : « فمنهم من أقرّ بلسانة ولم يؤمن بقلبه ، فقال الله : ﴿فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ﴾(٤) .
وعنهما عليهماالسلام : « بعث الله الرّسل إلى الخلق وهم في أصلاب الرّجال وأرحام النّساء ، فمن صدّق
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٢٣٦ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٢٢.
(٢) الزخرف : ٤٣ / ٨٧.
(٣) الكافي ٢ : ٨ / ٣ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٢٢.
(٤) تفسير القمي ١ : ٢٤٨ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٢٢.