الخيرات ، ويسّرناها لهم من كلّ جانب ﴿وَلكِنْ﴾ الأسف كلّ الأسف أنّهم ﴿كَذَّبُوا﴾ الرّسل فيما جاءوا به من التّوحيد والشّرائع ، واستكبروا عن الإيمان بهم ، وعتوا على ربّهم ﴿فَأَخَذْناهُمْ﴾ بعذاب الاستئصال ، وأهلكناهم عن آخرهم ، لا للتشفّي ؛ لأنّه محال علينا ، بل كان هلاكهم ﴿بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ بسعيهم من الكفر والمعاصي العظام الموجبين لاستحقاقهم ذلك في الدّنيا.
﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى
أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ
الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (٩٧) و (٩٩)﴾
ثمّ هدّد الله تعالى النّاس على كفرهم وعصيانهم بعذاب الاستئصال بأن أنكر عليهم الأمن منه بقوله : ﴿أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى﴾ من الكفّار ﴿أَنْ يَأْتِيَهُمْ﴾ وينزل عليهم ﴿بَأْسُنا﴾ وعذابنا ﴿بَياتاً﴾ وليلا ﴿وَهُمْ نائِمُونَ﴾ مستريحون لا يحتملون وقوع العذاب عليهم ﴿أَ وَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى﴾ وحال ارتفاع الشّمس ﴿وَهُمْ﴾ من غاية غفلتهم ﴿يَلْعَبُونَ﴾ ويشتغلون بما لا ينفعهم في الدّين والدّنيا ، بل يضرّهم كإنكار التّوحيد وتكذيب الرّسل ، أو يصرفون هممهم في تحصيل الدّنيا.
ثمّ بالغ سبحانه في إنكار الأمن عليهم بقوله : ﴿أَفَأَمِنُوا﴾ هؤلاء المكذّبون للرّسل ﴿مَكْرَ اللهِ﴾ وعذابه البغتي أو استدراجه لهم (١)﴿فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ﴾ وأخذه فجأة ﴿إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ﴾ والمضرّون على أنفسهم بجهلهم بالله وقدرته ، وتركهم النّظر في عواقب الأمور ، وعدم اعتبارهم من حال الامم الماضية والمهلكة ، فإنّهم الّذين لا يخافون الله وعذابه.
﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ
بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (١٠٠)﴾
ثمّ نبّه الله تعالى على أنّ ذكر قصص الأنبياء وعصيان اممهم وإنزال العذاب على معارضيهم ، كان لعبرة النّاس بقوله : ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ﴾ ولم يتّضح ﴿لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ﴾ ويسكنونها ويعيشون فيها ﴿مِنْ بَعْدِ﴾ إهلاك ﴿أَهْلِها﴾ الذين كانوا ساكنين فيها ، فعذّبوا بذنوبهم وطغيانهم ﴿أَنْ لَوْ نَشاءُ﴾ أهلكناهم بكفرهم و﴿أَصَبْناهُمْ﴾ بالعذاب ﴿بِذُنُوبِهِمْ﴾ كما أصبنا بالعذاب من قبلهم ؟ لا والله لا يهتدون ؛ لأنّا نختم على أفئدتهم ﴿وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ بكفرهم وإصرارهم عليها (٢)﴿فَهُمْ﴾ إذن ﴿لا
__________________
(١) في النسخة : بهم.
(٢) في النسخة : عليهم.