يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ * فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ
لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ
كافِرِينَ (٩١) و (٩٣)﴾
فلمّا بالغوا في الضّلال والإضلال استحقّوا عذاب الاستئصال ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ والزلزلة الشّديدة الحاصلة من الصّيحة. عن ابن عبّاس رضى الله عنه : رجفت بهم الأرض وأصابهم حرّ شديد ، فرفعت لهم سحابة فخرجوا إليها يطلبون الرّوح منها ، فلمّا كانوا تحتها سالت عليهم بالعذاب ومعه صيحة جبرئيل (١) فأحاط بهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ﴿فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ﴾ وبلد أمنهم ﴿جاثِمِينَ﴾ خامدين ساكنين لا حراك لهم.
عن الصادق عليهالسلام : « بعث الله عليهم صيحة واحدة فماتوا » (٢) .
ثمّ بيّن الله تعالى أن جثومهم كان على قولهم : ﴿لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ﴾(٣) بقوله : ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً﴾ وهدّدوه بأن يخرجوه من القرية ، أخرجهم الله منها بالإهلاك فصاروا ﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾ ولم يقيموا بها مع قوّتهم وشوكتهم ، فهم المخرجون منها بحيث أضمحلّت آثارهم منها دون شعيب.
ثمّ ردّ الله عليهم قولهم : ﴿لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً﴾(٤) بقوله : ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ﴾ دنيا وآخرة ، لا الّذين اتّبعوا شعيبا ﴿فَتَوَلَّى﴾ وأعرض ﴿عَنْهُمْ﴾ شعيب بعد هلاكهم. وقيل : قبل ذلك. ﴿وَقالَ يا قَوْمِ﴾ والله ﴿لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ﴾ وأدّيت إليكم ﴿رِسالاتِ رَبِّي﴾ بأوفى بيان ، بحيث لم يبق لكم العذر في ترك الإيمان ، فلم تصدّقوني ﴿وَنَصَحْتُ لَكُمْ﴾ أبلغ نصح ، فلم تقبلوا منّي ، وأنذرتكم من سوء عاقبة الكفر والعصيان ، فلم تعتنوا بقولي ﴿فَكَيْفَ آسى﴾ وأتحزّن بعد ذلك كلّه ﴿عَلى﴾ هلاك ﴿قَوْمِ﴾ استحقّوا ما نزل عليهم من عذاب الاستئصال لكونهم ﴿كافِرِينَ﴾ بالله ورسله ودار الجزاء.
قيل : إنّه اشتدّ حزنه على قومه لكثرتهم ، وقرابتهم ، وطول الألفة (٥) بهم ، وتوقّعه إجابتهم إلى قبول قوله (٦) .
﴿وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ
يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا
الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩٤) و (٩٥)﴾
__________________
(١) تفسير روح البيان ٣ : ٢٠٣.
(٢) مجمع البيان ٤ : ٦٩٣ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٢٠.
(٣) الأعراف : ٧ / ٨٨.
(٤) الأعراف : ٧ / ٩٠.
(٥) في النسخة : الفتنة.
(٦) تفسير الرازي ١٤ : ١٨٣.