فيه منفعة. فهو من التّشبيه المركّب.
وإنّما وصف القوم بكونهم كفّارا ، لأنّ الإهلاك عن السّخط أقطع وأفظع ﴿وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ﴾ بإهلاك ما أنفقوا من الأموال ، وبإحباط ما عملوا من الخيرات ﴿وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ حيث إنّهم أنفقوها مع الكفر ، أو عصيان الله وطغيانا عليه.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ
قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ
إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (١١٨)﴾
ثمّ - لمّا بيّن الله المباينة بين المؤمنين والكفّار ، وتضادّ قلوبهم وأخلاقهم - حذّر المؤمنين من مخالطتهم وموالاتهم بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا﴾ ولا تختاروا لأنفسكم ﴿بِطانَةً﴾ وخليطا كائنا ﴿مِنْ دُونِكُمْ﴾ ولا تودعوا أسراركم عند الأجانب من دينكم ، فإنّهم ﴿لا يَأْلُونَكُمْ﴾ ولا يقصّرون لكم ﴿خَبالاً﴾ وفسادا بمكرهم وخديعتهم ، ولا يتركون جهدهم في الإضرار بكم ، في ما يورثكم الشّرّ ﴿وَدُّوا ما عَنِتُّمْ﴾ وتمنّوا مشقّتكم ، وشدّة ضرركم في دينكم ودنياكم.
قيل : إنّ معنى الجملتين : أنّهم لا يقصّرون ضررا في أمر دينكم ودنياكم ، فإن عجزوا فحبّ ذلك ثابت في قلوبهم (١) .
حتّى أنّهم ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ﴾ وظهرت شدّة عداوتهم في كلامهم ، حيث إنّهم لا يتمالكون - مع مبالغتهم في حفظ أنفسهم - أن ينفلت من ألسنتهم ما يعلم به بغضهم للمسلمين. وفيه غاية المبالغة ؛ حيث فرض كلامهم - من ظهور العداوة والبغض فيه - عين البغضاء ، لا دالّا عليها ، فخروج الكلام من أفواههم ، لامتلاء قلوبهم بالبغض ، نفس خروج البغض ، ﴿وَ﴾ الحال أنّ ﴿ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ﴾ وما تستّر في قلوبهم من البغض والحسد ﴿أَكْبَرُ﴾ وأكثر ممّا بدأ وظهر.
عن ابن عبّاس رضى الله عنه : كان رجال من المؤمنين يواصلون اليهود لما بينهم من القرابة والصّداقة والحلف ، فأنزل الله هذه الآية (٢) .
وعن مجاهد : نزلت في قوم من المؤمنين كانوا يواصلون المنافقين ، فنهوا عن ذلك (٣) .
وقيل : إنّ المسلمين كانوا يشاورون اليهود في أمورهم ويؤانسونهم لما كان بينهم من الرضاع
__________________
(١) تفسير روح البيان ٢ : ٨٥.
(٢) تفسير أبي السعود ٢ : ٧٦.
(٣) تفسير أبي السعود ٢ : ٧٦.