فصاروا قبيلة سمّوا باسم أبيهم ، وإنّ شعيبا بكى من خشية الله حتّى ذهبت عيناه ، وكان يقال له خطيب الأنبياء لحسن مراجعة قومه ، وكانوا أهل بخس للمكيال والميزان (١) ، فدعاهم شعيب أوّلا إلى التّوحيد و﴿قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ﴾ فإنّه ﴿ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ﴾ وخالق مستحقّ للعبادة ﴿غَيْرُهُ﴾ ثمّ استدلّ على صحّة نبوّته وصدق دعوته بمعجزته التي لا بدّ لكلّ نبيّ من إتيانها إثباتا لنبوّته بقوله : ﴿قَدْ جاءَتْكُمْ﴾ وظهرت لكم ﴿بَيِّنَةٌ﴾ ومعجزة باهرة ﴿مِنْ﴾ قبل ﴿رَبِّكُمْ﴾ تصديقا لنبوتّي.
أقول : لم نعثر على تفصيل معجزاته.
وقيل : إنّه كان إذا أراد الصّعود على الجبل العظيم انحطّ الجبل ليصعد عليه بسهولة ، وكان يخبر بالمغيّبات.
ثمّ لمّا كان القبيح الشائع في زمانه في قومه البخس في المكيال والميزان ، بدأ بعد الدّعوة إلى التّوحيد بالنّهي عن البخس بقوله : ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ﴾ إذا أدّيتم حقوق النّاس به ﴿وَالْمِيزانَ﴾ إذا وزنتموها ﴿وَلا تَبْخَسُوا﴾ ولا تنقصوا ﴿النَّاسَ أَشْياءَهُمْ﴾ وحقوقهم مطلقا [ سواء أ ] كانت في المكيلات والموزونات ، أو في غيرهما ﴿وَلا تُفْسِدُوا﴾ بالشّرك وتضييع الحقوق ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ ولا تشيعوا الظّلم فيها ﴿بَعْدَ إِصْلاحِها﴾ من جانب الله ببعث الرّسل ، وتشريع الأحكام ، وإيجاب العدل ﴿ذلِكُمْ﴾ الإيفاء ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ وأنفع في الدّنيا لإيجابه رغبة النّاس في معاملتكم وكثرة أرباحكم ، وفي الآخرة بغاية إكرامكم وإجزال ثوابكم على التّوحيد والعدل في الحقوق ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ بي وبدار الجزاء.
﴿وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها
عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦)﴾
ثمّ أنّه قيل : إنّ القوم كانوا إذا رأوا أحدا يريد شعيبا يقولون له : لا يفتننّك شعيب عن دينك فإنّه كذّاب ، وكانوا يتوعّدون من آمن به ، وقيل : إنّهم يقطعون الطّريق ، فنهاهم عن ذلك بقوله : ﴿وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ﴾ وفي كلّ طريق ، حال كونكم ﴿تُوعِدُونَ﴾ وتهدّدون النّاس على الإيمان بي ، أو تخوّفونهم على أنفسهم وأموالهم وقيل : إنّ المراد : ولا تقتدوا بالشّيطان في قوله : ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾(٢) .
﴿وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ﴾ وتمنعون عن السّلوك في طريق عبوديّته بتحصيل معارفه والمداومة
__________________
(١) تفسير روح البيان ٣ : ٢٠٠.
(٢) الأعراف : ٧ / ١٦.