من بين أظهرهم إلى الشام فنزل رملة فلسطين.
فلمّا كان يوم الأحد وهو اليوم الرّبع وارتفع النّهار ، تحنّطوا بالصّبر (١) لئلا يتعرّض لهم السّباع لمرارته ، وتكفّنوا بالأنطاع (٢) ، وألقوا نفوسهم على الأرض يقلّبون أبصارهم إلى السّماء مرّه وإلى الأرض اخرى ، لا يدرون من أين يأتيهم العذاب ، فأتتهم صيحة من السّماء فيها صوت كلّ صاعقة وصوت كلّ شيء له صوت (٣) .
﴿فَأَخَذَتْهُمُ﴾ بعد تلك ، ومن أثرها ﴿الرَّجْفَةُ﴾ والزّلزلة من الأرض ، فانقطعت قلوبهم في صدورهم ﴿فَأَصْبَحُوا﴾ كبيرهم وصغيرهم ﴿فِي دارِهِمْ﴾ وبلدهم ﴿جاثِمِينَ﴾ موتى غير متحرّكين.
في ذكر قصة ثمود وهلاكهم
عن الصادق عليهالسلام ، في قوله تعالى ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ﴾(٤) : « هذا فيما كذّبوا صالحا ، وما أهلك الله تعالى قوما قطّ حتّى يبعث إليهم قبل ذلك الرّسل فيحتجّوا عليهم ، فبعث الله إليهم صالحا ، فدعاهم إلى الله فلم يجيبوا وعتوا عليه وقالوا : لن نؤمن لك حتّى تخرج لنا من هذه الصّخرة ناقة عشراء (٥) ، وكانت الصّخرة يعظّمونها ويعبدونها ، ويذبحون عندها في رأس كلّ سنة ، ويجتمعون عندها ، فقالوا له : إن كنت كما تزعم نبيّا رسولا ، فادع إلهك حتّى يخرج لنا من هذه الصّخرة الصمّاء ناقة عشراء ، فأخرجها الله كما طلبوا منه ، ثمّ أوحى الله إليه : أن يا صالح ، قل لهم : إنّ الله قد جعل لهذه النّاقة من الماء شرب يوم ولكم شرب يوم ، وكانت النّاقة إذا كان يوم شربها شربت ذلك اليوم الماء ، فيحلبونها فلا يبقى صغير ولا كبير إلّا شرب من لبنها يومهم ذلك ، فإذا كان اللّيل وأصبحوا غدوا إلى مائهم فشربوا منه ذلك اليوم ولم تشرب النّاقة ذلك اليوم ، فمكثوا بذلك ما شاء الله.
ثمّ أنّهم عتوا على الله ومشى بعضهم إلى بعض فقالوا : اعقروا هذه النّاقة واستريحوا منها ، لا نرضى أن يكون لها شرب يوم ولنا شرب [ يوم ] ، ثمّ قالوا : من الذي يلي قتلها ونجعل له جعلا (٦) ما أحبّ ، فجاءهم رجل أحمر أشقر أزرق ولد زنا ، لا يعرف له أب يقال له قذار ، شقيّ من الأشقياء مشؤوم عليهم ، فجعلوا له جعلا ، فلمّا توجّهت النّاقة إلى الماء الذي كانت ترده ، تركها حتّى شربت ذلك الماء وأقبلت راجعة ، فقعد لها في طريقها فضربها بالسّيف ضربة فلم تعمل شيئا ، فضربها ضربة اخرى فقتلها وخرّت إلى الأرض على جنبها ، وهرب فصيلها حتى صعد إلى الجبل فرغا ثلاث مرّات إلى
__________________
(١) الصّبر : عصارة شجر مرّ ، واحدته : صبرة.
(٢) الأنطاع ، جمع نطع ، وهو بساط من جلد.
(٣) تفسير روح البيان ٣ : ١٩٤.
(٤) القمر : ٥٤ / ٢٣.
(٥) العشراء : الناقة التي مضى على حملها عشرة أشهر.
(٦) الجعل : ما يجعل على العمل من أجر ورشوة ، وكذا الجعالة والجعال.