السّماء ، وأقبل قوم صالح فلم يبق أحد منهم إلّا شركه في ضربته ، واقتسموا لحمها فيما بينهم ، فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلّا أكل منها.
فلمّا رأى ذلك صالح أقبل إليهم فقال : يا قوم ، ما دعاكم إلى ما صنعتم ، أعصيتم ربّكم ؟ ! فأوحى الله إلى صالح : إنّ قومك قد طغوا وبغوا ، وقتلوا ناقة بعثتها إليهم حجّة عليهم ، ولم يكن عليهم منها ضرر ، وكان لهم فيها أعظم المنفعة ، فقل لهم : إنّي مرسل إليكم عذابي إلى ثلاثة أيام ، فإن هم تابوا ورجعوا قبلت توبتهم وصددت عنهم ، وإن هم لم يتوبوا ولم يرجعوا بعثت عليهم عذابي في اليوم الثّالث ، فأتاهم صالح فقال لهم : يا قوم ، إنّي رسول الله ربكم إليكم ، وهو يقول لكم : إن أنتم تبتم ورجعتم واستغفرتم غفرت لكم وتبت عليكم ، فلمّا قال لهم ذلك كانوا أعتى ما كانوا وأخبث ، وقالوا : يا صالح ، إئتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ، قال : يا قوم ، إنّكم تصبحون غدا ووجوهكم مصفرّة ، [ واليوم الثاني وجوهكم محمرّة ، واليوم الثالث وجوهكم مسودّة.
فلّما أن كان أوّل يوم أصبحوا ووجوههم مصفرّة ] ، فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا : قد جاءكم ما قال لكم صالح ، فقال العتاة منهم : لا نسمع قول صالح ولا نقبل قوله وإن كان عظيما ، فلمّا كان اليوم الثاني أصبحت وجوههم محمرّة ، فمشى بعضهم إلى بعض فقالوا : يا قوم قد جاءكم ما قال لكم صالح ، فقال العتاة منهم : لو أهلكنا جميعا ما سمعنا قول صالح ، ولا تركنا آلهتنا التي كان آباؤنا يعبدونها ، ولم يتوبوا ولم يرجعوا ، فلمّا كان اليوم الثالث أصبحوا ووجوههم مسودّة ، فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا : يا قوم ، قد أتاكم ما قال لكم صالح ، فقال العتاة منهم : لا نقبل (١) ما قال لنا صالح ، فلمّا كان نصف اللّيل أتاهم جبرئيل فصرخ بهم صرخة خرقت تلك الصرخة أسماعهم ، وفلقت قلوبهم ، وصدعت أكبادهم ، وقد كانوا في تلك الثلاثة أيام قد تحنّطوا وتكفّنوا وعلموا أنّ العذاب نازل بهم ، فماتوا أجمعون في طرفة عين صغيرهم وكبيرهم » . إلى أن قال : « ثمّ أرسل الله عليهم مع الصّيحة النّار من السّماء فأحرقتهم أجمعين»(٢).
﴿فَتَوَلَّى﴾ صالح وأعرض ﴿عَنْهُمْ﴾ بعد هلاكهم ﴿وَقالَ﴾ تحسّرا وتحزّنا عليهم : ﴿يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي﴾ ودعوتكم إلى الحقّ ﴿وَنَصَحْتُ لَكُمْ﴾ بالتّرغيب والتّرهيب ، وبذلت جهدي في هدايتكم إلى ما فيه خيركم وصلاحكم ﴿وَلكِنْ﴾ لمرارة الحقّ وثقل النّصح عليكم ، كنتم ﴿لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾ وتستهزئون بي وبالمؤمنين.
عن جابر بن عبد الله أنّه قال : لمّا مرّ النبيّ صلىاللهعليهوآله بالحجر في غزوة تبوك - يعني : مواضع ثمود - قال
__________________
(١) في الكافي : قد أتانا.
(٢) الكافي ٨ : ١٨٧ / ٢١٤ ، تفسير الصافي ٢ : ٢١٥.