وقيل : إنّ صالح قال لقومه : يولد في شهركم هذا غلام يكون هلاككم بيده ، فذبح تسعة نفر منهم أبناءهم ، ثمّ ولد العاشر فأبى أبوه أن يذبحه ، فنبت نباتا سريعا ، ولما كبر الغلام جلس مع قوم يصيبون من الشّراب ، فأرادوا ماء يمزجونه به ؛ وكان يوم شرب النّاقة ، فما وجدوا الماء واشتدّ ذلك عليهم ، فقال الغلام : هل لكم في أن أعقر النّاقة ؟ فشدّ عليها ، فلمّا بصرت به شدّت عليه فهرب منها إلى خلف ، فأحاشوها عليه ﴿فَعَقَرُوا النَّاقَةَ﴾ فسقطت (١) .
﴿وَعَتَوْا﴾ وتجافوا ﴿عَنْ﴾ امتثال ﴿أَمْرِ رَبِّهِمْ﴾ بترك مسّ الناقة بسوء. قيل : إن مصدعا وقدارا وأصحابهما التّسعة رصدوا النّاقة حين صدرت عن الماء ، فكمن لها مصدع في أصل صخرة ، فمرّت النّاقة عليه فرماها بسهم ، فانتظم به عضلة ساقها ، ثمّ خرج قدار فعقرها بالسّيف فخرّت ترغو (٢) ، ثمّ طعنها في لبتها (٣) ونحرها ، وخرج أهل البلد واقتسموا لحمها (٤) .
﴿وَقالُوا﴾ استهزاء : ﴿يا صالِحُ ائْتِنا بِما﴾ كنت ﴿تَعِدُنا﴾ من العذاب على مسّ النّاقة بسوء ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ فإنّ الرّسول لا بدّ من أن يكون صادق القول والوعد.
روي أنّهم لمّا عقروا النّاقة هرب ولدها إلى جبل فرغا ثلاثا ، وكان صالح قال لهم بعد بلوغه خبر قتل النّاقة : ادركوا الفصيل عيسى أن يدفع عنكم العذاب ، فلم يقدروا عليه ، فانفرجت الصّخرة بعد رغائه فدخلها ، فقال صالح : لكلّ رغوة أجل يوم ، تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّام. وقد عقروا النّاقة يوم الأبعاء ، فقال لهم صالح : ابشروا بعذاب الله ونقمته ، فقالوا : ما علامته ؟ فقال : تصبحون غداة يوم الخميس ووجوهكم مصفرّة ، ثمّ تصبحون يوم الجمعة ووجوهكم محمرّة ، ثمّ تصبحون يوم السّبت ووجوهكم مسودّة ، ثمّ يصبّحكم العذاب أوّل يوم الأحد.
فكان الأمر كما وصف ، حيث أصبحوا يوم الخميس كأنّ وجوههم طليت بالزّعفران ؛ صغيرهم وكبيرهم ، ذكرهم وانثاهم ، فأيقنوا بالعذاب ، فطلبوا صالحا ليقتلوه ، فهرب منهم واختفى في موضع فلم يجدوه ، فجعلوا يعذّبون أصحابه ليدلّوهم عليه ، فلمّا أصبحوا يوم الجمعة أصبحت وجوههم محمرّة كأنّما خضّبت بالدّماء ، فصاحوا بأجمعهم وضجّوا وبكوا وعرفوا أنّ العذاب قد دنا إليهم ، وجعل كلّ واحد يخبر الآخر بما يرى في وجهه ، ثمّ أصبحوا يوم السّبت ووجوههم مسودّة كأنّها طليت بالقار والنّيل (٥) ، فصاحوا جميعا : ألا قد حضر العذاب ، فلمّا كانت ليلة الأحد خرج صالح ومن آمن معه
__________________
(١) تفسير الرازي ١٤ : ١٦٢.
(٢) رغت الناقة : إذا صوّتت وضجّت.
(٣) اللّبّة : موضع النحر من عنق الناقة.
(٤) تفسير روح البيان ٣ : ١٩٣.
(٥) القار : الزّفت ، والنّيل : مادة زرقاء للصّباغ تستخرج من ورق نبات بنفس الاسم.