خصب وسعة ، وطالت أعمارهم وكثرت نعمهم ، وبنوا قصورا في الأرض السّهلة لصيفهم ، ونحتوا في الجبال بيوتا لشتائهم.
وقيل : إنّهم لطول أعمارهم كانوا يحتاجون إلى أن ينحتوا من الجبال بيوتا ؛ لأن السّقوف والأبنيّة كانت تبلى قبل فناء أعمارهم ، فعتوا على الله وأفسدوا في الأرض.
ثمّ بالغ صالح في ترغيبهم بقوله : ﴿فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ﴾ ونعمه العظام عليكم ، واجتهدوا في أداء شكرها بالتّوحيد والقيام بالطّاعة ﴿وَلا تَعْثَوْا﴾ ولا تسعوا ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ حال كونكم ﴿مُفْسِدِينَ﴾ فيها.
﴿قالَ الْمَلَأُ﴾ والأشراف ﴿الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ وترفّعوا عن الإيمان به واتّباعه ، وهم ﴿مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ واستحقروا لفقرهم ﴿لِمَنْ آمَنَ﴾ به ﴿مِنْهُمْ﴾ واتّبعوه ، إنكارا واستهزاء بهم : ﴿أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ ولمّا كانت رسالته لشهادة معجزاته واضحة ، عدل المؤمنون عن جواب سؤالهم ، وأخبروا بإيمانهم بما جاء به و﴿قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ﴾ صالح ﴿بِهِ﴾ من التّوحيد والأحكام ﴿مُؤْمِنُونَ﴾ مصدّقون ﴿قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ عنادا أو لجاجا : ﴿إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ﴾ من رسالة صالح وصدق دعواه من التّوحيد ووعد العذاب ﴿كافِرُونَ﴾ وجاحدون.
﴿فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ
الْمُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ * فَتَوَلَّى عَنْهُمْ
وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ
النَّاصِحِينَ (٧٧) و (٧٩)﴾
في كيفية عقر ناقة صالح
ثمّ أنّه روي أنّه زيّنت عقر الناقة امرأتان لمّا أضرّت بمواشيهما ، وكانتا كثيرتي المواشي ، وكانت إحداهما جميلة الخلق ، فطلبت ابن عمّ لها يقال له مصدع ابن دهر ، وجعلت له نفسها إن عقر النّاقة ، فأجابها إلى ذلك ، ثمّ طلبت قدار بن سالف وكان رجلا أحمر أزرق قصيرا ، يزعمون أنّه ولد زنا ، ولكنّه ولد في فراش سالف ، فقالت : يا قدار ، أزوّجك أي بناتي شئت على أن تعقر النّاقة ، وكان متّبعا في قومه ، فأجابها أيضا ، فانطلق قدار ومصدع فاستعانا بطغاة ثمود ، فأتاهم تسعة رهط فاجتمعوا على عقر النّاقة ، فأوحى الله تعالى إلى صالح : أنّ قومك سيعقرون الناقة ، فقال لهم صالح ذلك ، فقالوا : ما كنّا لنفعل (١) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ٣ : ١٩٢.