أوسطهم نسبا وأفضلهم حسبا ، فدعاهم إلى عبادة الله ، و﴿قالَ﴾ لهم بلطف وعطوفة : ﴿يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ﴾ وحده ﴿ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ﴾ .
في كيفية دعوة صالح ومحاجته ومعارضته قومه
قيل : لمّا دعاهم إلى التّوحيد طالبوه بالمعجزة فقال : ما تريدون ؟ فقالوا : تخرج معنا في عيدنا ، ونخرج أصنامنا ، وتسأل إلهك ونسأل أصنامنا ، فإذا ظهر دعاؤك اتّبعناك ، وإن ظهر أثر دعائنا اتّبعتنا ، فخرج معهم فسألوه أن يخرج لهم ناقة كبيرة من صخرة معيّنة ، فأخذ مواثيقهم أنّه إن فعل ذلك آمنوا به فقبلوا ، فصلّى ركعتين ودعا الله ؛ فتمخّضت تلك الصّخرة كما تتمخّض الحامل ، ثمّ انفرجت وحرّكت النّاقة من وسطها ، وكانت في غاية الكبر (١) .
فبعد ظهور هذه المعجزة قال صالح : يا قوم ﴿قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ﴾ عظيمة ، وحجّة واضحة على صدقي في دعوى الرّسالة والتّوحيد ﴿مِنْ﴾ قبل ﴿رَبِّكُمْ﴾ فلا عذر لكم في ترك الإيمان بعدها ، فإنّكم سألتم أن اخرج من الصّخرة ناقة لتكون آية على صدقي ، فانظروا ﴿هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً﴾ ظاهرة ، ومعجزة باهرة ﴿فَذَرُوها﴾ ودعوها ﴿تَأْكُلْ﴾ وترتع من الكلأ والعشب ﴿فِي أَرْضِ اللهِ﴾ وأكرموها ﴿وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ﴾ ولا تقربوها بإيذاء ومكروه فضلا عن القتل والجرح ﴿فَيَأْخُذَكُمْ﴾ ويصيبكم إذن ﴿عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ .
﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ
سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ
مُفْسِدِينَ قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ
مِنْهُمْ أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قالَ
الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٧٤) و (٧٦)﴾
ثمّ أنّه بعد تهديدهم على العصيان رغّبهم في الطّاعة والانقياد بتذكيرهم نعم الله الموجبة لشكره بقوله : ﴿وَاذْكُرُوا﴾ نعمة الله عليكم ﴿إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ﴾ إهلاكه قوم ﴿عادٍ﴾ بشركهم وطغيانهم ﴿وَبَوَّأَكُمْ﴾ وأسكنكم ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ التي كانوا يسكنونها ، وهي أرض حجر بين الحجاز والشّام ، وأنتم ﴿تَتَّخِذُونَ﴾ وتبنون ﴿مِنْ سُهُولِها﴾ والمسطّحات الليّنات منها لأنفسكم ﴿قُصُوراً﴾ وأبنية رفيعة ﴿وَتَنْحِتُونَ﴾ وتنجرون من ﴿الْجِبالَ﴾ والصّخور ﴿بُيُوتاً﴾ ومساكن.
نقل أنّه لمّا أهلك الله تعالى عاد ، أقام ثمود مقامهم وعمّروا بلادهم وأخلفوهم في أرضهم في
__________________
(١) تفسير الرازي ١٤ : ١٦٢.