﴿وَأُولئِكَ﴾ المتباعدون عن رحمة الله ، الخارجون عن وظائف الإنسانيّة ﴿أَصْحابُ النَّارِ﴾ وملازموها و﴿هُمْ فِيها خالِدُونَ﴾ مقيمون أبدا ، لا مناصّ لهم ولا خلاص.
عن ابن عبّاس رضى الله عنه قال : يريد بني قريظة والنضير ؛ لأنّ مقصود رؤساء اليهود في معاندة الرّسول ما كان إلّا المال والولد (١) .
وقيل : إنّما نزلت في أبي سفيان ، فإنّه أنفق مالا كثيرا على المشركين يوم بدر وأحد في عداوة النبيّ صلىاللهعليهوآله (٢) .
وقيل : إنّما نزلت في مشركي قريش ، فإنّ أبا جهل كان كثير الافتخار بماله (٣) .
وقيل : إنّها عامّة لجميع الكفّار ، فإنّ جميعهم كانوا يتعزّزون بكثرة الأموال والأولاد ، وكانوا يعيّرون النبيّ صلىاللهعليهوآله وأصحابه بالفقر ، ويقولون : لو كان محمّد على الحقّ لما تركه ربّه في هذا الفقر والشدّة (٤) .
﴿مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ
قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٧)﴾
ثمّ لمّا بيّن الله تعالى أنّ أموال الكفّار لا تفيدهم شيئا - وهم كثيرا ما كانوا ينفقون أموالهم في الخيرات ؛ كالصّدقة على الفقراء ، وإعانة الضّعفاء - فكان مجال توهّم أنّهم ينتفعون بأموالهم في الآخرة ، فأزال الله ذلك التّوهّم بقوله : ﴿مَثَلُ﴾ كفرهم في إبطال ﴿ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ قربة ، أو مفاخرة ، أو سمعة وطلبا لحسن الذّكر بين النّاس ، أو رياء وخوفا كإنفاق المنافقين ﴿كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ﴾ وبرد شديد مهلك.
وقيل : إنّ المعنى : فيها نار محرقة ، للهبها صرّ وصوت. وكلاهما مرويّ عن ابن عبّاس (٥) .
﴿أَصابَتْ﴾ تلك الرّيح المهلكة ﴿حَرْثَ قَوْمٍ﴾ وزرع طائفة ﴿ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ بالكفر والمعاصي ﴿فَأَهْلَكَتْهُ﴾ واستأصلته ، بحيث لم يبق لهم ثمر ولا نفع بوجه من الوجوه ، ولم يحصل لهم إلّا الخيبة والحسرة.
وقيل : إنّ المراد تشبيه ما أنفق الكفّار - في وجوه الخيرات والقربات ، أو في معارضة الرّسول صلىاللهعليهوآله ، وقتال المسلمين ، كإنفاق أبي سفيان في بدر واحد ، وسائر أعمالهم الحسنة التي يرجى منها النّفع ولو كان دنيويّا - في الهلاك والضّياع والبطلان ، بما يحرثه الكفّار ، فضربته صرّ فأبادته بحيث لم يكن لهم
__________________
(١) تفسير الرازي ٨ : ١٩٢.
(٢) تفسير الرازي ٨ : ١٩٣.
(٣) تفسير الرازي ٨ : ١٩٢.
(٤) تفسير الرازي ٨ : ١٩٣.
(٥) تفسير الرازي ٨ : ١٩٥.