ثمّ أخبر سبحانه بنزول عذاب الاستئصال عليهم ، وإكرام هود ومن آمن به تسلية للنبيّ صلىاللهعليهوآله وتهديدا لمعارضيه من مشركي مكّة بقوله : ﴿فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ وآمنوا به من عذاب الخزي ﴿بِرَحْمَةٍ﴾ عظيمة ﴿مِنَّا﴾ عليهم ، وإكرامنا إيّاهم بسبب إيمانهم وطاعتهم ﴿وَقَطَعْنا﴾ بالعذاب ﴿دابِرَ﴾ القوم ﴿الَّذِينَ﴾ كفروا و﴿كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ من دلائل التّوحيد ومعجزات هود ، واستأصلناهم وأهلكناهم عن آخرهم ﴿وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ﴾ بشيء من الحقّ ، ولم يرج لهم (١) الإيمان أبدا.
وكان هلاكهم بالرّيح العقيم تخرج من تحت الأرضين السّبع ، وما خرجت منها ريح قطّ إلّا على قوم عاد حين غضب الله عليهم ، فأمر الخزّان عليهم أن يخرجوا منها مثل سعة الخاتم فعتت على الخزّان ، فخرج على مقدار منخر الثّور تغيّظا منها على قوم عاد ، فضجّ الخزنة إلى الله تعالى من ذلك فقالوا : ربّنا إنّها عتت عن أمرنا ونحن نخاف أن يهلك من لم يعصك من خلقك وعمّار بلادك ، فبعث الله إليها جبرئيل فردّها بجناحه فقال لها : اخرجي على ما امرت به ، وأهلكت قوم عاد ومن كان بحضرتهم.
وعن ( المجمع ) : عنه عليهالسلام (٢) : « أنّ لله تعالى بيت ريح مقفل [ عليه ] لو فتحت لأذرت (٣) ما بين السّماء والأرض ، فما ارسل إلى عاد إلّا قدر خاتم » قال : « وكان هود وصالح وشعيب وإسماعيل ونبيّنا صلّى الله عليهم أجمعين يتكلّمون بالعربيّة » (٤) .
﴿وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ
جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا
تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣)﴾
ثمّ ذكر سبحانه قصة دعوة صالح ومعارضة قومه وهلاكهم بالعذاب بقوله : ﴿وَإِلى﴾ قوم ﴿ثَمُودَ﴾ وهم قبيلة من العرب سمّوا باسسم أبيهم الأكبر ثمود بن عاد بن إرم بن سام - وقيل : سمّوا به لقلّة مائهم (٥) - أرسلنا ﴿أَخاهُمْ﴾ في النّسب ﴿صالِحاً﴾ .
عن الباقر عليهالسلام : « أنّه ارسل إلى ثمود ، وهي قرية واحدة لا تكمل أربعين بيتا على ساحل البحر صغيرة » (٦) .
وقيل : كانت مساكنهم بين الحجاز والشّام إلى وادي القرى ، فبعث الله إليهم صالحا ، وكان من
__________________
(١) في النسخة : بهم.
(٢) في مجمع البيان : عن أبي جعفر عليهالسلام.
(٣) أذرت الريح التراب : أطارته وفرّقته.
(٤) مجمع البيان ٤ : ٦٧٦ ، تفسير الصافي ٢ : ٢١٢.
(٥) تفسير الرازي ١٤ : ١٦١.
(٦) اكمال الدين : ٢٢٠ / ٢ ، تفسير الصافي ٢ : ٢١٢.