﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ * فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا
الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ (٦٣) و (٦٤)﴾
ثمّ لمّا كان القوم تعجّبوا من أدّعائه الرّسالة وبالغوا في تكذيبه ، أنكر عليهم بقوله : ﴿أَ وَعَجِبْتُمْ﴾ - قيل : إنّ التّقدير : أكذّبتم وعجبتم (١) - من ﴿أَنْ جاءَكُمْ﴾ ونزل عليكم ﴿ذِكْرٌ﴾ وموعظة ، أو وحي ، أو كتاب ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ وخالقكم اللّطيف بكم ﴿عَلى﴾ لسان ﴿رَجُلٍ مِنْكُمْ﴾ وبشر مثلكم ﴿لِيُنْذِرَكُمْ﴾ من بأس الله ، ويخوّفكم من عقوبته ﴿وَلِتَتَّقُوا﴾ مخالفة الله ، وتحترزوا سخطه بإنذاره ، ولأجل أنّه ﴿وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ بالتّقوى ، وتفوزون بأكمل السّعادة وأفضل النّعم بطاعته.
وفي ذكر ( لعلّ ) إشعار بعدم علّيّة التّقوى لشمول الرّحمة.
﴿فَكَذَّبُوهُ﴾ بعد الإبلاغ والإنذار والإعذار ، وأصرّوا على معارضتة حتّى حقّ عليهم العذاب ، فصنع نوح الفلك وفار التنّور ﴿فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ﴾ آمنوا ﴿مَعَهُ﴾ من أهله وغيرهم ﴿فِي الْفُلْكِ﴾ قيل : هم أربعون (٢)﴿وَأَغْرَقْنَا﴾ بالطّوفان الكفّار ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ وأستمرّوا على التّكذيب.
ثمّ نبّه سبحانه على علّة إهلاكهم بقوله : ﴿إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ﴾ في البصيرة ، مكفوفين عن رؤية المعجزات ، قاصرين عن فهم المواعظ ، لم يكونوا يرجى منهم الهداية والإيمان.
﴿وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَ فَلا تَتَّقُونَ
قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ
الْكاذِبِينَ * قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ *
أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٥) و (٦٨)﴾
في قصة هود
ثمّ أردف سبحانه قصّة قوم نوح بقصّة هود وتكذيب قومه ، وابتلائهم بالعذاب بقوله : ﴿وَإِلى﴾ قوم ﴿عادٍ﴾ بن إرم بن سام بن نوح ، أو ابن شالخ بن أرفخشد بن سام ، وهم قوم كانوا باليمن بالأحقاف ؛ وهو الرّمل الذي كان بين عمان وحضرموت - كذا قيل (٣) - أرسلنا ﴿أَخاهُمْ﴾ في النّسب كان اسمه ﴿هُوداً﴾ قيل : هو ابن عبد الله بن رباح (٤) بن خلود بن عاد (٥) .
__________________
(١) تفسير الرازي ١٤ : ١٥٢.
(٢) تفسير البيضاوي ١ : ٣٤٤ ، وفيه : كانوا أربعين رجلا وأربعين امرأة.
(٣) تفسير الرازي ١٤ : ١٥٥.
(٤) في روح البيان : رياح.
(٥) تفسير البيضاوي ١ : ٣٤٤ ، تفسير روح البيان ٣ : ١٨٥.