﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي
أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ
مُبِينٍ * قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ *
أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٥٩) و (٦٢)﴾
في قصة نوح وكيفية دعوته
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان خبث ذات الكفار ، ذكر سبحانه قصص الامم الماضية وسوء عاقبة المصرّين منهم على الكفر ، تهديدا لمشركي عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وتسلية لخاطره الشّريف ، وإثباتا لنبوّته ؛ لأنّ ذكرها مع امّيته من الإخبار بالمغيّبات ، فابتدأ سبحانه بذكر معارضة قوم نوح وهلاكهم بقوله : ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ﴾ لهدايتهم إلى التّوحيد ودين الحقّ ، فدعاهم أوّلا إلى التّوحيد الذي هو أهمّ الاصول ﴿فَقالَ﴾ لقومه رحمة وشفقة : ﴿يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ﴾ وحده ، وخصّوه بالخضوع والطّاعة ، فإنّه ﴿ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ﴾ مستحقّ للعبادة والطّاعة في عالم الوجود ﴿غَيْرُهُ﴾ تعالى.
ثمّ هدّدهم على الاشراك ببيان معلن بغاية شفقته عليهم بقوله : ﴿إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ﴾ إن بقيتم على ما أنتم عليه من عبادة الأصنام من أن ينزّل الله عليكم ﴿عَذابَ﴾ الاستئصال في ﴿يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ من أيام الدّنيا لعظمة عذابه ، أو عذاب النّار في يوم القيامة الذي هو أعظم الأيام وأشدّها ﴿قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ﴾ والأكابر من طائفته : ﴿إِنَّا لَنَراكَ﴾ ونعتقدك يا نوح منغمرا ﴿فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ عن الحقّ ، وانحراف واضح عن الصّواب حيث خالفت العامّة في قولك ، وخرجت عن ربقة تقليد آبائنا الأقدمين في رأيك.
﴿قالَ﴾ نوح مبالغا في استمالتهم بندائهم وإضافتهم إلى نفسه ، بعد تغليظهم عليه في القول المقتضي للتّغليظ عليهم في الجواب : ﴿يا قَوْمِ﴾ كيف تنسبونني إلى الضّلال والحال أنّه ﴿لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ﴾ أبدا وانحراف عن الصّواب بوجه ﴿وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ﴾ رسل ﴿رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ مبعوث من قبله إليكم لارشدكم إلى الحقّ وأهديكم إلى التّوحيد ، فأنا على حسب وظيفتي ﴿أُبَلِّغُكُمْ﴾ وأؤدي إليكم ﴿رِسالاتِ رَبِّي﴾ من توحيده وأحكامه ومواعظه ﴿وَأَنْصَحُ لَكُمْ﴾ واشير إليكم ما فيه خيركم وصلاحكم ﴿وَأَعْلَمُ مِنَ﴾ عقوبة ﴿اللهِ﴾ أو من معارفه وأحكامه بوحيه وتعليمه ﴿ما لا تَعْلَمُونَ﴾ قيل : كانوا لم يسمعوا بقوم حلّ بهم العذاب من قبلهم ، ولذا كانوا غافلين آمنين لا يعلمون ما علمه نوح عليهالسلام.