﴿يَخْرُجُ نَباتُهُ﴾ من الأشجار والزّروع والرّياحين والأزهار ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ وقدرته وإرادته ، ﴿وَ﴾ البلد ﴿الَّذِي خَبُثَ﴾ بأن كان سبخا أو صلبا لا تأثّر بنزول المطر عليه ، ﴿لا يَخْرُجُ﴾ نباته منه ﴿إِلَّا﴾ نباتا ﴿نَكِداً﴾ قليلا غير نافع.
في أن النفوس صنفان طيبة وخبيثة
قيل : هو مثل الاختلاف في الذّات والطّينة وتشبيههما في الطّيب والخبث بالأراضي الطيّبة والخبيثة ، فإنّ النّفوس البشريّة بعضها بذاتها وجوهرها طيّبة نقيّة نورانية ، مستعدّة لقبول الحقّ والتأثّر بالمواعظ والحكم ، والتنوّر بآيات القرآن الذي هو ماء الحياة للقلوب الميّتة ؛ كنفوس المؤمنين على اختلاف مراتبهم ، فإنّهم إذا تليت عليهم آيات القرآن وذكرت لهم دلائل التّوحيد والمعاد ، ظهر منهم الانقياد والخضوع ، وأشرقت قلوبهم بأنوار العقائد الحقّة والمعارف الإلهية ، وخرجت من جوارحهم أزهار الطّاعة والأعمال الحسنة.
وبعضها خبيثة سجّينيّة ظلمانيّة ، لا تتأثّر بشيء من المواعظ والحكم ، ولا تنقاد لقبول الحقّ ، بل لا تزيده آيات القرآن ودلائل التّوحيد وغيره من المعارف إلّا بعدا وكفرا وطغيانا ؛ كنفوس الكفّار المصرّين على الكفر. فالنّفس الطيّبة الطاهرة يخرج نباتها من المعارف الحقّة ، والأخلاق الكريمة ، والأعمال الصّالحة بإذن ربّها وتوفيقه وتفضّله ، والنّفس الخبيثة لا يخرج منها إلّا نباتا نكدا قليل الفائدة.
وقيل : إنّ المراد من المثل أنّ الأرض الخبيثة مع قلّة نفعها لا يهملها صاحبها ، بل يتعب نفسه في إصلاحها طمعا في تحصيل ما يليق بها. فمن طلب النّفع اليسير بالمشقّة العظيمة كان طلبه للمنافع العظيمة الاخرويّة بالمشقّة أولى.
﴿كَذلِكَ﴾ التّصريف البديع ﴿نُصَرِّفُ الْآياتِ﴾ الدالّة على المعارف والحكم والأحكام ﴿لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾ ألطاف الله ونعمه الجسمانيّة والرّوحانيّة.
وإنّما ختم سبحانه الآية السّابقة بقوله : ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ لكونها متضمّنة لدليل صحّة المعاد ، وختم هذه الآية بقوله : ﴿لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾ لكونها متضمّنة لبيان النّعمة الجسمانيّة والرّوحانيّة.
وإنّما ختم سبحانه الآية السّابقة بقوله : ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ لكونها متضمّنة لدليل صحّة المعاد ، وختم هذه الآية بقوله : ﴿لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾ لكونها متضمّنة لبيان النّعمة الجسمانيّة والرّوحانيّة.
عن القمّي رحمهالله : مثل للأئمّة يخرج علمهم بإذن ربّهم ، ولأعدائهم لا يخرج علمهم إلّا كدرا فاسدا(١).
وفي ( المناقب ) : قال عمرو بن العاص للحسين عليهالسلام : ما بال لحاكم أوفر من لحانا ؟ فقرأ عليهالسلام هذه الآية (٢) .
وروي أنّ معاوية سأل الحسن عليهالسلام عن ذلك ، فقرأ عليهالسلام هذه الآية.
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٢٣٦ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٠٨.
(٢) مناقب ابن شهر آشوب ٤ : ٦٧ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٠٨.