ثمّ مدحهم بصفة جامعة لفنون المحاسن ، بقوله : ﴿وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ﴾ بأصنافها ؛ لخوف الفوت بالموت ، ولفرط الرّغبة ، ويبادرون إليها لغاية الشّوق.
وفي ذكر الأوصاف تعريض على الفسّاق من أهل الكتاب ، فإنّهم أمّة قائمة بالجور والفساد ، منحرفة العقائد ، مائلة إلى الفساد ، ساعية في إضلال النّاس ، متباطئة في الخيرات ، مسارعة في الشّرور ، كافرة بالله واليوم الآخر.
ثمّ مدحهم الله تعالى بأكرم الصّفات ، بقوله : ﴿وَأُولئِكَ﴾ النّفوس المقدّسة ، الكريمة الصّفات معدودون ﴿مِنَ﴾ زمرة ﴿الصَّالِحِينَ﴾ ومن جملة من حسنت أحوالهم عند الله ، واستحقّوا رضاه وثناءه.
﴿وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥)﴾
ثمّ بشّرهم بالثّواب العظيم بقوله : ﴿وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ﴾ وعمل صالح ؛ كائنا ما كان ، من قليل أو كثير ﴿فَلَنْ يُكْفَرُوهُ﴾ ولن يعدموا ثوابه ، ولم ينقصوا من أجره شيئا.
وفي التّعبير عن ترك الإثابة بالكفران الذي هو محال على الله ، دلالة واضحة على أنّ الثّواب بالاستحقاق كدلالة إطلاق الشّكر على الإثابة.
ثمّ قرّر الله سبحانه وعده بقوله : ﴿وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾ مطّلع على أحوالهم وضمائرهم ، فيوفّيهم أجورهم في الدّنيا والآخرة.
عن الصادق عليهالسلام : « إنّ المؤمن مكفّر ، وذلك أنّ معروفه يصعد إلى الله فلا ينتشر في النّاس ، والكافر مشهور ، وذلك أنّ معروفه للنّاس ينتشر في النّاس ولا يصعد إلى السّماء » (١) .
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ
أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١٦)﴾
ثمّ - لمّا ذكر الله سبحانه حسن حال المؤمنين في الآخرة ، وعظّم ثوابهم - ذكر سوء حال الكفّار فيها ، وشدّة عقابهم بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالله ورسوله ﴿لَنْ تُغْنِيَ﴾ ولن تجزي ﴿عَنْهُمْ﴾ في الآخرة ﴿أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ﴾ عذاب ﴿اللهِ﴾ تعالى ﴿شَيْئاً﴾ يسيرا ، فلا وسيلة لهم إلى النّجاة منه.
وتخصيص المال والأولاد بالذّكر لكونهما أنفع الأمور ، وأوثق الوسائل في دفع المكاره
__________________
(١) علل الشرائع : ٥٦٠ / ١ ، تفسير الصافي ١ : ٣٤٤.