هذا الكتاب ﴿إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾ وو قوع ما هددوا به فيه ، من عذاب الاستئصال في الدنيا ، أو مجيء يوم القيامة ﴿يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ﴾ كفروا به و﴿نَسُوهُ﴾ وتركوا العمل بما فيه ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ وفي دار الدنيا إيمانا واعترأ فا بصدق الرسل : ﴿قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا﴾ لهدايتنا ﴿بِالْحَقِ﴾ والدين القويم ، أو بالمعجزات الباهرات. فلما رأوا أنه لا ينفعهم إيمانهم ، ولا مخلص لهم من العذاب ، قالوا تمنيا وتحسرا : ﴿فَهَلْ لَنا﴾ اليوم ﴿مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا﴾ ويدفعوا بشفاعتهم العذاب عنا ؟ ﴿أَوْ نُرَدُّ﴾ ونرجع إلى الدنيا ﴿فَنَعْمَلَ﴾ فيها عملا ﴿غَيْرَ﴾ العمل ﴿الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾ ونتدين بدين غير الذي كنا نتدين به ، فإنه لا يمكن الخلاص إلا بأحد هذين الأمرين.
ثم نبه الله سبحانه على امتناع مطلوبهم ومأمولاهم بقوله : ﴿قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ بصرف أعمارهم التي كانت بمنزلة رأس ما لهم ، في الكفر والعصيان ﴿وَضَلَ﴾ وغاب أو فآت ﴿عَنْهُمْ﴾ منافع ﴿ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ على الله أن يقبل شفاعته من الأصنام ، وظهر لهم بطلان الأديان التي كانوا ينصرونها.
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى
الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ
مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٥٤)﴾
ثم لما كان الاعتقاد بالمعاد متوقفا على معرفة الله بالوحدانية وكمال القدرة والعلم ، عرف ذاته المقدسة بتلك الصفات بقوله : ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ﴾ هو ﴿اللهُ الَّذِي﴾ بقدرته الكاملة ﴿خَلَقَ السَّماواتِ﴾ السبع بما فيها من الكواكب وغيرها ﴿وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ عن القمي رحمهالله : في ستة أوقات (١) .
عن الصادق عليهالسلام : « أن الله خلق الخير يوم الأحد ، وما كان ليخلق الشر قبل الخير ، وفي الأحد والاثنين خلق الأرضين ، وخلق أقواتها يوم الثلاثاء ، وخلق السماوات يوم الأربعاء ويوم الخميس ، وخلق أقواتها يوم الجمعة » (٢) . الخبر.
أقول : الظاهر أن المراد من الأيام في الروآية : الأوقات التي لو كانت الشمس - التي بطلوعها وغروبها توجد الأيام وتتعدد - موجودة لكانت تلك الأوقات [ هي ] تلك الأيام. وأما تقدير الأوقات فيحتمل أنه كان إما بنسبة كل موجود إلى الآخر ، وإما بالنسبة إلى حركة فلك الأفلاك. وإرادة غيره من قوله ﴿خَلَقَ السَّماواتِ﴾ .
وقيل : إن الله خلق الموجودات تدريجا ، ليعلم العباد التأني في الأمور.
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٢٣٦ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٠٣.
(٢) الكافي ٨ : ١٤٥ / ١١٧ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٠٣.