نَنْساهُمْ﴾ ولا نعتني بهم ، ولا نلتفت إليهم ، كما لا يلتفت الناسي إلى المنسي ، أو نتركهم في النار أبدا ﴿كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا﴾ ولم يلتفتوا إليه ، ولم يعتنوا بما ينفعهم فيه ، ولم يستعدوا له.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « يعني بالنسيان أنه لم يثبهم كما يثيب أولياءه الذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به وبرسله ، وخافوه في الغيب ، وقد يقول العرب في باب النسيان : قد نسينا فلان فلا يذكرنا ، أي أنه لا يأمر لهم بخير ولا يذكرهم به » (١) .
وعن الرضا عليهالسلام : « أي نتركهم كما تركوا الاستعداد للقاء يومهم هذا ، وقال : إنما يجازي من نسيه ونسي لقاء يومه بأن ينسيهم أنفسهم ، كما قال تعالى : ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ ﴾(٢) .
﴿وَ﴾ مثل ﴿ما كانُوا﴾ في الدنيا ﴿بِآياتِنا﴾ ودلائل توحيدنا ، ورسالة رسلنا ﴿يَجْحَدُونَ﴾ وإياها ينكرون عنادا واستكبارا.
﴿وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢)﴾
ثم أنه تعالى بعد شرح أحوال الكفار والمؤمنين في القيامة ببيان معجز ، أعلن بانقطاع عذر الكفار في ترك الإيمان بالنبوة والكتاب بقوله : ﴿وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ﴾ عظيم الشأن ﴿فَصَّلْناهُ﴾ وشرحنا ما فيه من المعارف والأحكام والمواعظ ، وغيرها من العلوم واحدا بعد واحد مبنيا ﴿عَلى عِلْمٍ﴾ كامل منا بتفاصيله وو اقعيات الأمور ، ومنافع ما فيه ، ليكون ذلك الكتاب ﴿هُدىً﴾ ورشادا إلى الحق ، وسعادة الدنيا والآخرة ﴿وَرَحْمَةً﴾ ونعمة تامة وفضلا عظيما ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ به ، المصدقين بأنه من الله ، فإنهم المنتفعون والمتدبرون في آياته ، المقتبسون من أنواره.
﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ
رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ
الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٥٣)﴾
ثم وبخهم الله على ترك الإيمان مع انقطاع عذرهم فيه بقوله : ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ﴾ ويتوقعون شيئا آخر بعد هذا القرآن يكون باعثا لهم على الإيمان بالله وبرسوله واليوم الآخر ، مع أنه ليس شيء أبعث من
__________________
(١) التوحيد : ٢٥٩ / ٥ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٠٢.
(٢) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ١٢٥ / ١٨ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٠٢ ، والآية من سورة الحشر : ٥٩ / ١٩.