وقيل : إنّ أهل النّار لمّا بقوا فيها جياعا عطاشا قالوا : يا ربّنا ، إنّ لنا قرابات في الجنّة فأذن لنا حتّى نراهم ونكلّمهم ، فأمر الله الجنّة فتزحزحت (١) فيؤذن في ذلك ، فينظرون إلى قراباتهم في الجنّة ، وإلى ما هم فيه من أنواع النّعيم ، فيعرفونهم ولا يعرفهم أهل الجنّة لسواد وجوههم ، فينادون قراباتهم من أهل الجنّة بعد إخبارهم بقرابتهم ويقولون : ﴿أَفِيضُوا عَلَيْنا﴾(٢) .
وقيل : إنّ المراد من ما ﴿رَزَقَكُمُ اللهُ﴾ الأطعمة والفواكه (٣) .
عن الصادق عليهالسلام : « يوم التّناد يوم ينادي أهل النّار أهل الجنّة : ﴿أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ ﴾(٤) .
عن أحدهما عليهالسلام قال : « إنّ أهل النّار يموتون عطاشا ، ويدخلون قبورهم عطاشا ، ويدخلون جهنّم عطاشا ، فيرفع لهم قراباتهم من أهل الجنّة ، فيقولون : ﴿أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ﴾(٥) .
روي أنّه لا يؤذن لأهل الجنّة في الجواب أربعين سنة (٦) .
ثمّ يؤذن لهم في جوابهم ، كما حكى الله تعالى بقوله : ﴿قالُوا﴾ في جوابهم : ﴿أَنْ﴾ شراب الجنّة وطعامها ممنوعان منكم ؛ لأنّ ﴿اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ﴾ بأنّكم أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا وأستمتعتم بها ، فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تكفرون.
﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما
نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٥١)﴾
ثمّ شرع الله تعالى في ذمّ الكفّار وقدحهم بأشنع ذمائمهم وصفاتهم ، وتهديدهم بأشدّ العذاب بقوله : ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا﴾ وجعلوا ﴿دِينَهُمْ﴾ الذي أمرهم الله بالتديّن به ، وهو دين الإسلام ﴿لَهْواً﴾ وبطرا ﴿وَلَعِباً﴾ وعبثا ، حيث إنّهم يحرّمون ما شاءوا ، ويحلّون ما شاءوا ، ولا يتّبعون أحكام الله ، بل يتّبعون هوى أنفسهم التي زيّنها الشّيطان لهم ، قيل : كان دينهم دين إسماعيل فغيّروه بهواهم. وقيل : إنّ المراد : أنّهم اتّخذوا اللهو واللّعب دينا لأنفسهم. وعن ابن عبّاس : يريد المستهزئين المقتسمين (٧) .
﴿وَغَرَّتْهُمُ﴾ وشغلتهم ﴿الْحَياةُ الدُّنْيا﴾ ولذّاتها وزخارفها عن ذكر الله ، والتدبّر في آياته ودلائل توحيده ، والتفكّر في عواقبهم ، فصار همّهم في تحصيل الجاه والمال وسائر المشتهيات ﴿فَالْيَوْمَ
__________________
(١) في النسخة : فتزخرفت.
(٢) تفسير الرازي ١٤ : ٩٢.
(٣) تفسير الرازي ١٤ : ٩٣.
(٤) تفسير العياشي ٢ : ١٥٠ / ١٥٩٢ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٠٢.
(٥) تفسير العياشي ٢ : ١٤٩ / ١٥٩١ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٠٢.
(٦) تفسير روح البيان ٣ : ١٧١.
(٧) تفسير الرازي ١٤ : ٩٣.