الْأَعْرافِ﴾ الّذين هم أشراف المؤمنين ﴿رِجالاً﴾ من رؤساء الكفار الّذين كانوا ﴿يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ﴾ تقريعا وتوبيخا ، و﴿قالُوا﴾ : لقد شاهدتم أيّها الرّؤساء أنّه ﴿ما أَغْنى﴾ ولم يكف في دفع العذاب ﴿عَنْكُمْ﴾ اليوم ﴿جَمْعُكُمْ﴾ الأعوان والأتباع والأموال في الدّنيا ﴿وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ به من النّسب والجاه ، على الأنبياء والأولياء والفقراء من المؤمنين.
وقيل : إن كلمة ( ما ) في ﴿ما أَغْنى﴾ استفهاميّة ، و( ما ) في ﴿ما كُنْتُمْ﴾ مصدريّة (١) .
ثمّ بالغوا في تقريعهم وتوبيخهم بقولهم ، مشيرين إلى فقراء المؤمنين : ﴿أَ هؤُلاءِ﴾ الفقراء الضّعفاء ﴿الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ﴾ وحلفتم على أنّه ﴿لا يَنالُهُمُ اللهُ﴾ ولا يصيبهم ﴿بِرَحْمَةٍ﴾ منه وفضل أبدا ؟ ثمّ يلتفتون إلى فقراء المؤمنين ويقولون لهم : ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ على رغم هؤلاء الرّؤساء المتكبّرين عليكم ﴿لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ﴾ حين يخاف الكفرة المتكبّرون ﴿وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ حين يحزن هؤلاء.
وعن الصادق عليهالسلام ، في الحديث السّابق : « وينادي أصحاب الأعراف - وهم الأنبياء والخلفاء - رجالا من أهل النّار ورؤساء الكفّار ، يقولون لهم مقرّعين : ﴿ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ﴾ واستكباركم ، ﴿أَ هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ﴾ إشارة لهم إلى أهل الجنّة الّذين كان الرّؤساء يستضعفونهم ويحقّرونهم لفقرهم ، ويستطيلون عليهم بدنياهم ، ويقسمون أنّ [ الله ] لا يدخلهم الجنّة ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ يقول أصحاب الأعراف لهؤلاء المستضعفين ، عن أمر من أمر الله عزوجل لهم بذلك : ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ أي لا خائفين ولا محزونين » (٢) .
﴿وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا
رَزَقَكُمُ اللهُ قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان مخاطبة أهل الجنّة وأصحاب الأعراف لأصحاب النّار ، حكى مخاطبة أهل النّار لهم بقوله : ﴿وَنادى أَصْحابُ النَّارِ﴾ بعد استقرارهم فيها ﴿أَصْحابَ الْجَنَّةِ﴾ بعد استغراقهم في نعمها : ﴿أَنْ أَفِيضُوا﴾ وصبّوا أيّها المؤمنون ﴿عَلَيْنا﴾ شيئا قليلا ﴿مِنَ الْماءِ﴾ البارد ﴿أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ﴾ وأنعم عليكم بفضله من سائر الأشربة ، أو منها ومن الفواكه والأطعمة ليخفّف عنّا به حرّ النّار ، أو العطش والجوع.
عن ابن عبّاس : لمّا صار أصحاب الأعراف إلى الجنة ، طمع أهل النّار بفرج بعد اليأس (٣) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ٣ : ١٦٩.
(٢) جوامع الجامع : ١٤٦ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٠١.
(٣) تفسير الرازي ١٤ : ٩٢.