على دين عيسى ، وصدّقوا محمّدا صلىاللهعليهوآله ، وكان جمع من الأنصار - قبل قدوم النبيّ صلىاللهعليهوآله - منهم : أسعد بن زرارة ، والبراء بن معرور ، ومحمّد بن مسلمة ، وأبو قيس صرمة بن أنس ، كانوا موحّدين يغتسلون من الجنابة ، ويقومون بما يعرفون من شرائع الحنيفيّة ، حتّى بعث الله النبيّ صلىاللهعليهوآله فصدّقوه ونصروه (١) .
وعلى أي تقدير ، ذكر الله سبحانه وجه عدم المساواة بين المؤمنين منهم والكافرين ، وهو أنّ المؤمنين منهم ﴿أُمَّةٌ﴾ وجماعة ﴿قائِمَةٌ﴾ بالعدل ، مستقيمة في العقائد والأعمال ، لا يتحرّفون إلى الباطل ، ولا يميلون إلى الفساد ، وهم ﴿يَتْلُونَ﴾ ويقرأون بخلوص النّيّة ﴿آياتِ اللهِ﴾ القرآنية ﴿آناءَ اللَّيْلِ﴾ وساعاته ﴿وَهُمْ﴾ في حال تلاوتهم ﴿يَسْجُدُونَ﴾ .
قيل : إنّ السّجود كناية عن الصّلاة لعدم الفضيلة لتلاوة القرآن في السّجود ، بل ثبوت كراهيّتها لقول النبيّ صلىاللهعليهوآله : « ألا إنّي نهيت أن أقرأ راكعا وساجدا » (٢) .
ووجه التّعبير عن الصّلاة بالسّجود كونه أعظم أجزائها ، وأشرف أركانها ، وأدلّ على كمال الخضوع.
وإنّما صرّح بتلاوتهم القرآن في الصّلاة ، مع اشتمال كلّ صلاة عليها ، لزيادة تحقيق المخالفة بين هؤلاء وغيرهم من منكري القرآن ، لتوضيح عدم المساواة بينهم وبين الّذين وصفهم الله - آنفا - بالكفر بالنبيّ وكتابه.
ولعلّ هذا هو الوجه في تقديم هذا الوصف في الذّكر على توصيفهم بالإيمان بقوله : ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ إيمانا حقيقيّا ، مطابقا لما نطق به الشّرع ، ورضي به الله.
فيدخل في الإيمان الحقيقي بالله الإيمان بملائكته وكتبه ورسله وبخاتم النّبيّين صلىاللهعليهوآله وبالقرآن المجيد. وفي الإيمان بالآخرة تصديق خلافة أمير المؤمنين ووجوب طاعته وطاعة المعصومين من ذرّيّته ، والبراءة من أعدائهم ، والقيام بأداء الفرائض ، والتّحرّز عن المحرّمات.
وحاصل الآيتين من قوله : ﴿أُمَّةٌ قائِمَةٌ﴾ إلى هنا ، مدحهم بكمال القوة النظريّة والعمليّة.
ثمّ بعد مدحهم بكمالهم في أنفسهم ، مدحهم بأنّهم غير مقتصرين على ذلك ، بل يكون همّهم معدّ إلى إرشاد النّاس وتكميلهم ، بقوله : ﴿وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ .
عن ابن عبّاس رضى الله عنه : ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي بتوحيد الله ، وبنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله ﴿وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ أي ينهون عن الشّرك بالله ، وعن إنكار نبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله (٣) .
أقول : الظّاهر أنّ المراد من المعروف والمنكر هو الأعمّ من العقائد والأعمال.
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٢ : ٧٣.
(٢) تفسير أبي السعود ٢ : ٧٣ ، تفسير روح البيان ٢ : ٨١.
(٣) تفسير الرازي ٨ : ١٩٠.