﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ
هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤١) و (٤٢)﴾
ثمّ بيّن شدّة عذابهم بقوله : ﴿لَهُمْ مِنْ﴾ نار ﴿جَهَنَّمَ مِهادٌ﴾ وفراش يقعدون ويضطجعون عليه ﴿وَمِنْ فَوْقِهِمْ﴾ وعلى أجسادهم ﴿غَواشٍ﴾ وأغطية من النّار فيحيط بهم العذاب من كلّ جانب ﴿وَكَذلِكَ﴾ الجزاء الفظيع والعذاب الشديد ﴿نَجْزِي﴾ القوم ﴿الظَّالِمِينَ﴾ على أنفسهم (١) باختيار الشّرك ومعارضة الأنبياء.
ثمّ أنّه تعالى على دأبه في الكتاب العظيم بعد وعيد الكفّار ، شرع في وعد المؤمنين بقوله : ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسله ، ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ﴾ وواظبوا على الحسنات وترك السيّئات بمقدار وسعة بحيث لا يشقّ عليهم (٢) ، فإنّا ﴿لا نُكَلِّفُ نَفْساً﴾ من النّفوس ﴿إِلَّا﴾ تكليفا يكون امتثاله والقيام به ﴿وُسْعَها﴾ ودون طاقتها ، بحيث لا يكون حرج عليها ، ﴿أُولئِكَ﴾ العباد المطيعون ﴿أَصْحابُ الْجَنَّةِ﴾ وملازمو النّعمة ﴿هُمْ فِيها خالِدُونَ﴾ دائمون لا زوال لنعمهم ولا نفاد.
﴿وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا
بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣)﴾
ثمّ بعدما بشّرهم ربّهم بطيب المسكن ودوام النّعمة ، بشّرهم بفراغ القلب من الآلام الرّوحانيّة ، وصفاء المنظر بقوله : ﴿وَنَزَعْنا﴾ وسلبنا ﴿ما فِي صُدُورِهِمْ﴾ وقلوبهم ﴿مِنْ غِلٍ﴾ وحقد كان لهم على المؤمنين في الدّنيا ، وحسد على ما أتى الكمّلين في الآخرة من فضله وإحسانه ، فلا يكون بينهم إلّا التّوادد والتّحابب ، فهم إخوان على سرر متقابلين ، كما لا يكون بين الكفّار في جهنّم إلّا التّباغض والتّنافر بحيث يلعن بعضهم بعضا.
القمّي : عن الباقر عليهالسلام : « العداوة تنزع منهم » ، أي من المؤمنين في الجنّة (٣) .
وأمّا صفاء منظرهم بأنّه ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ﴾ وأسفل قصورهم ﴿الْأَنْهارُ﴾ الكثيرة ، أو الأربعة ، وقيل : إنّ جريان الأنهار كناية عن المكاشفات والفيوضات الرّوحانيّة ﴿وَقالُوا﴾ بعد مشاهدة منازلهم
__________________
(١) كذا ، والظاهر : الظالمين أنفسهم.
(٢) في النسخة : عليه.
(٣) تفسير القمي ١ : ٢٣١ ، تفسير الصافي ٢ : ١٩٧.