النَّارِ﴾ حيث إنّهم ضلّوا بأنفسهم عن الحقّ ، وأضلّوا أتباعهم ﴿قالَ﴾ الله تعالى أو خازن جهنّم : ﴿لِكُلٍ﴾ من المتبوع والتّابع منكم عذاب ﴿ضِعْفٌ﴾ أمّا الرّؤساء فبضلالهم وإضلالهم ، وأمّا الأتباع فبكفرهم وتقليدهم ﴿وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ﴾ قدره وشدّته لكلّ فريق.
﴿وَقالَتْ أُولاهُمْ﴾ وقادتهم مخاطبين ﴿لِأُخْراهُمْ﴾ وأتباعهم بعد استماعهم جواب الله أو الخازن : ﴿فَما كانَ لَكُمْ﴾ أيّها الأتباع إذن ﴿عَلَيْنا﴾ شيء ﴿مِنْ فَضْلٍ﴾ ومزيّة بخفّة عذابكم وشدّة عذابنا ، بل كلّنا متساوون في العذاب قدرا وشدّة ، لأنّا ما ألجأناكم إلى الكفر ، بل اتّبعتم هوى أنفسكم كما اتّبعنا ﴿فَذُوقُوا الْعَذابَ﴾ واطعموا طعمه ﴿بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ لأنفسكم من الكفر والعصيان.
عن القمّي : قالوا ذلك شماتة بهم (١) .
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ
وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي
الْمُجْرِمِينَ (٤٠)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في تهديد المشركين والمكذّبين للرّسل بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ الدالّة على التّوحيد والرّسالة والبعث ﴿وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها﴾ وامتنعوا ترفّعا عن الإقرار بها ﴿لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ﴾ حتّى ترفع إليها أدعيتهم وأعمالهم في حياتهم ، وأرواحهم بعد موتهم.
عن الباقر عليهالسلام : « أمّا المؤمنون فترفع أعمالهم وأرواحهم إلى السّماء فتفتح لهم أبوابها ، وأمّا الكافر فيصعد بعمله وروحه ، حتّى إذا بلغ السّماء نادى مناد : اهبطوا إلى سجّين ؛ وهو واد بحضرموت يقال له برهوت » (٢) .
وروي أنّ روح المؤمن يعرج بها إلى السّماء ، فيستفتح لها فيقال : مرحبا بالنّفس الطيّبة التي كانت في الجسد الطّيب ، ويقال لها ذلك حتى تنتهي إلى السماء السّابعة ، ويستفتح لروح الكافر فيقال لها : ارجعي ذميمة (٣) ، فإنّه لا تفتح لك أبواب السّماء.
﴿وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾ في الآخرة أبدا ﴿حَتَّى يَلِجَ﴾ ويدخل ﴿الْجَمَلُ﴾ مع عظم جثّته ﴿فِي سَمِّ الْخِياطِ﴾ وثقب الإبرة ، وهذا محال ، فدخول الكافر في الجنّة أيضا محال ﴿وَكَذلِكَ﴾ الحرمان من الجنّة ﴿نَجْزِي﴾ فرق ﴿الْمُجْرِمِينَ﴾ والعصاة.
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٢٣٠ ، تفسير الصافي ٢ : ١٩٦.
(٢) مجمع البيان ٤ : ٦٤٦ ، تفسير الصافي ٢ : ١٩٦.
(٣) تفسير روح البيان ٣ : ١٦٠.