وعلى ما قلنا من عموم الفواحش والإثم ، يكون إفراد البغي بالذّكر مع دخوله في الأوّلين ، للمبالغة في الزّجر عنه. وتقييد البغي ﴿بِغَيْرِ الْحَقِ﴾ مع دخول القيد في مفهومه للتّأكيد. وتقييد الاشتراك ب ﴿ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً﴾ للتهكّم وللإشعار بعدم جواز الالتزام بشيء لا حجّة عليه.
عن الصادق عليهالسلام : « أنّ القرآن له ظهر وبطن ، فجميع ما حرّم الله في القرآن هو الظّاهر ، والباطن من ذلك أئمّة الجور ، وجميع ما أحلّ الله في الكتاب هو الظاهر ، والباطن [ من ذلك ] أئمّة الحق»(١) .
﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ أي تتقوّلوا وتفتروا.
عن الباقر عليهالسلام أنّه سئل : ما حجّة الله على العباد ؟ فقال : « أن يقولوا ما يعلمون ، ويقفوا عند ما لا يعلمون » (٢) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام ، في وصيّته لابنه محمّد بن الحنفية : « يا بني ، لا تقل ما لا تعلم ، بل لا تقل كلّ ما تعلم » (٣) .
﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤)﴾
ثمّ لمّا بيّن الله تعالى معظم محرّماته ، أو بعضها بنحو العموم والإجمال وبعضها بنحو التّفصيل ، هدّد النّاس على مخالفتها بقوله : ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ﴾ من الامم وطائفة من الطوائف ﴿أَجَلٌ﴾ وأمد معيّن في علم الله واللّوح المحفوظ ، يعيشون فيه ويمهلون إلى انقضائه بمقتضى الحكمة البالغة ﴿فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ﴾ وانقضت مدّة عيشهم ومهلتهم في الدّنيا ، أتاهم الموت أو عذاب الاستئصال ، إذا ﴿لا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ ولا يمهلون ﴿ساعَةً﴾ وزمانا قليلا ﴿وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ ولا يعجلون ، ولو كانوا طالبين للتّأخير والتّقديم ، مشتاقين إليهما. فاستنهضوا الفرصة ولا تأمنوا مكر الله وبأسه.
عن ابن عبّاس : أنّ معنى الآية أنّ الله أمهل كلّ امّة كذّبت رسولها إلى وقت معيّن ، وهو تعالى لا يعذّبهم إلى أن ينظروا ذلك الوقت الذي يصيرون فيه مستحقّين لعذاب الاستئصال ، فإذا جاء ذلك الوقت نزل ذلك العذاب لا محالة (٤) .
عن الصادق عليهالسلام : « هو الذي سمّي لملك الموت في ليلة القدر » (٥) .
وعنه عليهالسلام : « تعدّ السّنين ، ثمّ تعدّ الشّهور ، ثمّ تعدّ الأيام ، ثمّ تعدّ الأنفاس ، فإذا جاء أجلهم لا
__________________
(١) تفسير العياشي ٢ : ١٤٥ / ١٥٧٨ ، الكافي ١ : ٣٠٥ / ١٠ ، تفسير الصافي ٢ : ١٩٤.
(٢) التوحيد : ٤٥٩ / ٢٧ ، تفسير الصافي ٢ : ١٩٤.
(٣) من لا يحضره الفقيه ٢ : ٣٨١ / ١٦٢٧ ، تفسير الصافي ٢ : ١٩٤.
(٤) تفسير الرازي ١٤ : ٦٧.
(٥) تفسير العياشي ٢ : ١٤٧ / ١٥٨١ ، ولم يرد فيه : في ليلة القدر ، تفسير الصافي ٢ : ١٩٤.