ومختصّة [ بهم ] لا يشركهم فيها الكفّار ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ وعالم الآخرة ﴿كَذلِكَ﴾ التّفصيل والتّبيين الواضح ﴿نُفَصِّلُ﴾ ونبيّن ﴿الْآياتِ﴾ الدالّة على المعارف والأحكام ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ حسن العرفان والطّاعة دون غيرهم لعدم أهليّتهم للانتفاع بها.
﴿قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ
وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد إبطال حرمة ما حرّم المشركون ، أمر نبيّه صلىاللهعليهوآله ببيان ما حرّم الله بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد : ﴿إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ﴾ على النّاس ﴿الْفَواحِشَ﴾ والقبائح التي بلغ قبحها النّهاية ، سواء ﴿ما ظَهَرَ مِنْها﴾ كالزّنا المعلن به ، وغيره من الكبائر ﴿وَما بَطَنَ﴾ وخفي كالزّنا في السرّ ﴿وَالْإِثْمَ﴾ وما توسّط في القبح كالصّغائر ﴿وَالْبَغْيَ﴾ والإضرار بالغير نفسا أو مالا ﴿بِغَيْرِ الْحَقِ﴾ ومجوّز له ﴿وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ﴾ في الوهيّته وعبادته شيئا لم يحكم العقل بجواز إشراكه وعبادته ، و﴿ما لَمْ يُنَزِّلْ﴾ الله ﴿بِهِ﴾ إليكم ﴿سُلْطاناً﴾ وبرهانا.
عن الكاظم عليهالسلام : « أمّا ﴿الْفَواحِشَ﴾ فإنّها الزّنا ، وأمّا قوله ﴿ما ظَهَرَ مِنْها﴾ يعني : الزّنا المعلن به ونصب الرّايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهليّة. وأمّا قوله : ﴿ما بَطَنَ﴾ يعني ما نكح من أزواج الآباء ؛ لأنّ النّاس كانوا قبل أن يبعث النبي صلىاللهعليهوآله إذا كان للرّجل زوجة ومات عنها تزوّجها ابنه من بعده إذا لم تكن امّه ، فحرّم الله عزوجل ذلك. وأمّا ﴿الْإِثْمَ﴾ فإنّها الخمر بعينها ، وقد قال الله عزوجل في موضع آخر : ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ﴾(١) . فأمّا ﴿الْإِثْمَ﴾ في كتاب الله فهي الخمر والميسر (٢) ، وإثمهما كبير ، وأمّا ﴿الْبَغْيَ﴾ فهو الزّنا سرا » (٣) .
أقول : في الرّواية ما لا يخفى من الخلل ، ولا يبعد حملها على بيان أظهر المصاديق الشّائعة بين المشركين في زمان النّزول. نعم فسّر جمع من المفسّرين ﴿الْفَواحِشَ﴾ بخصوص الزّنا بدعوى انصراف الفاحشة في العرف إليه ، ولقوله تعالى : ﴿إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً﴾(٤) ، و﴿ما ظَهَرَ﴾ بالزّنا العلانية ، أو القبلة والملامسة ، و﴿ما بَطَنَ﴾ بالسرّ منه ، أو بالدّخول ، و﴿الْإِثْمَ﴾ بخصوص الخمر و﴿الْبَغْيَ﴾ بالكبر والظّلم على الغير (٥) . وفي الكلّ نظر.
__________________
(١) البقرة : ٢ / ٢١٩.
(٢) زاد في تفسير العياشي : فهي النّرد.
(٣) الكافي ٦ : ٤٠٦ / ١ ، تفسير العياشي ٢ : ١٤٦ / ١٥٨٠ ، تفسير الصافي ٢ : ١٩٣.
(٤) النساء : ٤ / ٢٢.
(٥) راجع : تفسير الرازي ١٤ : ٦٥ و٦٦.