﴿وَ﴾ بما ﴿كانُوا يَعْتَدُونَ﴾ [ على ] حدود الله ، ويداومون على التّجاوز عنها ، من غير مبالاة ، ولا ارعواء.
فإنّ الإصرار على الصّغائر مفض إلى مباشرة الكبائر ، والاستمرار على الكبائر موجب لزيغ القلب وطبعه الملازم للكفر والطّغيان ، وإليه أشار سبحانه بقوله : ﴿كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾(١) وقوله : ﴿ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ﴾(٢).
قال بعض العرفاء : من ابتلي بترك الأدب وقع في ترك السّنن ، ومن ابتلي بترك السّنن وقع في ترك الفريضة ، ومن ابتلي بترك الفريضة وقع في استحقار الشّريعة ، ومن ابتلي بذلك وقع في الكفر (٣) .
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : « لا يبلغ العبد أن يكون من المتّقين حتّى يدع ما لا بأس به حذرا ممّا به البأس » (٤) .
وعنه صلىاللهعليهوآله في رواية : « ومن ارتكب الشّبهات وقع في المحرمات ؛ كالرّاعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه » (٥) .
﴿لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ
يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٣) و (١١٤)﴾
ثمّ أنّه تعالى - بعد ذمّ أكثر أهل الكتاب بسوء اعتقادهم وأخلاقهم وأعمالهم ، وتهديدهم على كفرهم وطغيانهم - ذكر التّباين بينهم وبين المؤمنين منهم بقوله : ﴿لَيْسُوا سَواءً﴾ في الاتّصاف بالكفر والقبائح ، ولا يكونون مشاركين ولا مشابهين فيها.
ثمّ شرع في مدح من آمن منهم بالرّسول صلىاللهعليهوآله ، وبيان عدم المساواة بينهم بقوله : ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ﴾ كعبد الله بن سلام وأضرابه.
روي أنّه لمّا أسلم هو وأصحابه قال لهم بعض كبار اليهود : لقد كفرتم وخسرتم ، فأنزل الله لبيان فضلهم هذه الآية (٦) .
وقيل : إنّها نزلت في أربعين من نصارى نجران ، واثنين وثلاثين من الحبشة ، وثلاثة من الرّوم كانوا
__________________
(١) المطففين : ٨٣ / ١٤.
(٢) الروم : ٣٠ / ١٠.
(٣) تفسير روح البيان ٢ : ٨٠.
(٤) سنن الترمذي ٤ : ٦٣٤ / ٢٤٥١ ، تفسير روح البيان ٢ : ٨٠.
(٥) تفسير روح البيان ٢ : ٨٠.
(٦) تفسير الرازي ٨ : ١٨٧.