ثمّ بيّن سبحانه أهمّ منافع خلق اللّباس بقوله : ﴿ذلِكَ﴾ الإنزال للّباس ، أو خلقه بعض ﴿مِنْ آياتِ اللهِ﴾ ودلائله الدالّة على كمال قدرته وفضله ورحمته على بني آدم ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ عظم نعمه ، ويعرفون غاية فضله وكرمه.
﴿يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما
لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا
الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان شدّة عداوة الشّيطان لآدم ولذريّته ونهيه تعالى عن اتّباعه ، أخذ في نصح بني آدم تأكيدا لنهيه السّابق بقوله : ﴿يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ﴾ ولا يغرّنّكم بتسويلاته ، ولا يوقعنّكم في البليّة ، بأن يمنعكم من دخول الجنّة ﴿كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ﴾ آدم وحوّاء بإغوائه ﴿مِنَ الْجَنَّةِ﴾ بعدما كانا فيها ، وعرفتم أنّه من شدّة عداوته لهما كان ﴿يَنْزِعُ﴾ ويسلب ﴿عَنْهُما﴾ بإيقاعهما في معصية واحدة ﴿لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما﴾ ويخزيهما عند الملائكة ، مع أنّ الله أكرمهما بغاية الكرامة ، فكيف أنتم ! ولا تتوهّموا حيث لا ترونه أنّه بعيد منكم غافل عنكم (١)﴿إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ﴾ بنفسه ﴿وَقَبِيلُهُ﴾ وجنوده الّذين هم من نسله ﴿مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ﴾ ومن مكان لا تبصرونهم ، ومن المعلوم أنّ الحذر من عدوّ يراكم ولا ترونه أصعب ، فكونوا منه على حذر عظيم.
عن مجاهد قال : قال الشّيطان : اعطينا أربع خصال : نرى ، ولا نرى ، ونخرج من تحت الثّرى ، ويعود شيخنا فتى (٢) .
روي « أنّه يجري من ابن آدم مجرى الدّم » (٣) .
ثمّ أنّه تعالى أكّد النّهي عن اتّباعه وموالاته ، والأمر بالتحرّز عنه ، بالتّنبيه على عدم المناسبة والسّنخيّة الموجبة للموالاة بينه وبين المؤمنين ، بقوله : ﴿إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ﴾ وأصدقاء ﴿لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ بتوحيدنا ، ورسالة رسلنا ، ودار الجزاء ، للتّسانخ بينهم في الخباثة وسوء الأخلاق ، والتّناسب في الطّغيان والخذلان ، دون المؤمنين الذين لا يسانخونهم ولا يناسبونهم.
﴿وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ
بِالْفَحْشاءِ أَ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٢٨)﴾
__________________
(١) زاد في النسخة : بأنكم لا ترونه.
(٢) تفسير الرازي ١٤ : ٥٤.
(٣) تفسير روح البيان ٣ : ١٥٠.