الذي يخرج به القطن ، ويحيي الحيوانات التي لها صوف وشعر ووبر ، فكأنّا أنزلنا إليكم ﴿لِباساً﴾ من السّماء كي ﴿يُوارِي سَوْآتِكُمْ﴾ ويغنيكم عن أوراق الأشجار ، ويقطع عذركم في كشف العورة ، ﴿وَ﴾ أنزلنا ﴿رِيشاً﴾ وزينة تتجمّلون بها بين النّاس.
وقيل : إنّ الرّيش كل ما يعيش به الإنسان من المتاع والمأكول.
عن الباقر عليهالسلام : « أمّا اللّباس : فالثّياب التي تلبسون ، وأمّا الريش (١) : فالمتاع والمال (٢) » انتهى.
﴿وَ﴾ لكن ﴿لِباسُ التَّقْوى﴾ والخوف من الله والالتزام بأحكامه ﴿ذلِكَ﴾ اللّباس ﴿خَيْرٌ﴾ وأنفع لصاحبه ولابسه ، وأقرب له إلى الله تعالى ممّا خلق من اللّباس.
عن الباقر عليهالسلام : « ما لباس التّقوى : فالعفاف ، إنّ العفيف لا تبدو له عورة وإن كان عاريا من الثّياب ، والفاجر بادي العورة وإن كان كاسيا من الثّياب ، ﴿ذلِكَ خَيْرٌ﴾ يقول : والعفاف خير » (٣).
وعن ابن عبّاس : لباس التّقوى : العمل الصالح (٤) .
وعن جماعة من المفسّرين هو الإيمان (٥) ، وقيل : هو السّمت الحسن ، و[ قيل ] : هو الحياء (٦) ، وقيل : هو السّكينة والإخبات والعمل الصالح (٧) .
وإنّما شبّه التّقوى باللّباس لأنّه يستر عيوب صاحبه ، ويحفظه ممّا يضرّه كما يستر اللّباس عورته ويحفظه. وقيل : لأنّه يقيه من العذاب (٨) .
وقيل : إنّ المراد من لباس التّقوى : مطلق اللّباس ، والمراد من قوله : ﴿ذلِكَ خَيْرٌ﴾ يعني : من التّعرّي ، فإنّ أهل الجاهليّة كانوا يتعبّدون بالتعرّي في الطّواف بالبيت (٩) .
وقيل : إنّه ما يلبس في الحروب كالدّروع والجواشن والمغافر.
وقيل : إنّه الملبوسات المعدّة للصّلاة.
عن القمي : لباس التّقوى الثياب البياض (١٠) .
__________________
(١) في تفسير القمي : الرياش.
(٢ و٣) . تفسير القمي ١ : ٢٢٦ ، تفسير الصافي ٢ : ١٨٧.
(٤) تفسير الرازي ١٤ : ٥٢.
(٥) تفسير الرازي ١٤ : ٥٢ ، عن قتادة والسّدي وابن جريج.
(٦ و٧) . تفسير الرازي ١٤ : ٥٢.
(٨) تفسير روح البيان ٣ : ١٤٨.
(٩) ورد في حديث عن الامام الصادق عليهالسلام أنه قال : « كانت سنة العرب في الحجّ ، أنّه من دخل مكّة وطاف بالبيت في ثيابه لم يحلّ له إمساكها ، وكانوا يتصدّقون بها ولا يلبسونها بعد الطواف ، فكان من وافى مكّة يستعير ثوبا ويطوف فيه ثمّ يردّه ، ومن لم يجد عارية اكترى ثيابا ، ومن لم يجد عارية ولا كرى ، ولم يكن له إلّا ثوب واحد ، طاف بالبيت عريانا ... » راجع بحار الأنوار ٣٥ : ٢٩١ / ٧ عن تفسير القمي.
ومنه يتبين ما كانوا يتعبّدون بالتعري في الطواف ، بل كانوا يتعرّون عند الاضطرار ، وقيل : كانوا يطوفون عراة لأنّهم يقولون : لا نعبد في ثياب أذنبنا فيها. راجع بحار الأنوار ٨٣ : ١٦٩ ، روح البيان ٣ : ١٥٣.
(١٠) تفسير القمي ١ : ٢٢٥ ، تفسير الصافي ٢ : ١٨٧.