إلى أن قال : « فقبل آدم عليهالسلام قوله ، فأكلا من الشّجرة ، وكان كما حكى الله ﴿بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما﴾ وسقط عنهما ما ألبسهما الله من لباس الجنّة ، وأقبلا يستران من ورق الجنّة » . الخبر (١) .
فدلّت الآية على قبح كشف العورة عقلا من لدن آدم عليهالسلام.
﴿وَناداهُما رَبُّهُما﴾ المالك لأمرهما عتابا وتوبيخا : ﴿أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ﴾ مقاربة ﴿تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ﴾ قيل : ثمّ نادى آدم عليهالسلام ربّه : أ ما خلقتك بيدي ، أ ما نفخت فيك من روحي ، أ ما أسجدت لك ملائكتي ، أ ما أسكنتك في جنّتي وفي جواري ؟ ! ﴿وَ﴾ ألم ﴿أَقُلْ لَكُما﴾ حين أبى الشّيطان عن السّجود وقال : لأقعدنّ صراطك المستقيم : ﴿إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما﴾ ولذريّتكما ﴿عَدُوٌّ﴾ ومبغض ﴿مُبِينٌ﴾ ظاهر العداوة والبغض ؟ ! قيل : كان خجلتهما بهذا العتاب أشدّ عليهما من كلّ محنة (٢) ، فاعترفا بذنبهما واعتذرا عن خطئهما و ﴿قالا رَبَّنا﴾ ومليكنا ، إنّا ﴿ظَلَمْنا أَنْفُسَنا﴾ بإيقاعها في العصيان ، وتعريضها للحرمان من الجنان ﴿وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا﴾ ذنبنا ﴿وَتَرْحَمْنا﴾ بقبول توبتنا بربوبيّتك ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ﴾ زمرة ﴿الْخاسِرِينَ﴾ والمغبونين ، حيث بعنا الجنّة ونعيمها بأكلة من الشّجرة.
﴿قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ *
قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (٢٤) و (٢٥)﴾
﴿قالَ﴾ الله تعالى : يا آدم ، ويا حوّاء ، ويا إبليس ﴿اهْبِطُوا﴾ وانزلوا من الجنّة ، أو السّماوات إلى الأرض ، في حال ﴿بَعْضُكُمْ﴾ يكون ﴿لِبَعْضٍ﴾ آخر ﴿عَدُوٌّ﴾ ومبغض إلى الأبد - قيل : العداوة ثابتة بين الجنّ والإنس أبدا - ﴿وَ﴾ يكون ﴿لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ﴾ ومكان وتعيّش ﴿إِلى حِينٍ﴾ انقضاء آجالكم.
و﴿قالَ﴾ تعالى تقريرا لما سبق : ﴿فِيها تَحْيَوْنَ﴾ وتعيشون ﴿وَفِيها تَمُوتُونَ﴾ وتقبرون ﴿وَمِنْها﴾ بعد إحيائكم في القبور ﴿تُخْرَجُونَ﴾ لتجزون بما كنتم تعملون.
﴿يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ
خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦)﴾
ثمّ لمّا ذكر الله قضيّة ابتلاء آدم بكشف العورة واضطراره إلى سترها بأوراق الأشجار ، بيّن منّته على ذريّته بخلق اللّباس وسائر ما يحتاجون إليه ، مخاطبا لهم بقوله : ﴿يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ﴾ المطر
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٤٣ ، تفسير الصافي ٢ : ١٨٦.
(٢) تفسير روح البيان ٣ : ١٤٦.